للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يخبر إلا بما يَثِقُ به، لأمرين:

الأول: التدين.

الثاني: خشية الاتهام بالكذب.

فإنه إذا أخبر عن رجل خبرًا (١) يحتمل أنه سمعه منه، ثم ظهر صحةُ عدمِ ذلك الخبر، اتُّهِم المخبر بالكذب، ولا يدفع ذلك عنه أن يقول: أنا لم أسمعه منه، إنما أخبرني عنه مخبر؛ لأنه يقال: يحتمل أن يكون صادقًا في هذا، وأن يكون إنما أراد أن يدفع عن نفسه الكذب، فإذا تكرر هذا منه قويت التهمة.

فالعاقل المتثبت ينفي هذا من أول الأمر، ولمّا عُرِف هذا في الناس علموا أن العاقل المتثبت لا يخبر إلا بما يثق به، ولمّا كانت الثقة التامة إنما تحصل غالبًا بالمشاهدة صار يتراءى للناس أن العاقل المتثبت إذا أخبر عن شخص بخبر، فالظاهر أنه سمعه منه، فهذا مصدر الظهور فيما أرى.

فأما الصحابة رضي الله عنهم فكانوا بغاية التحرز فيما يخبرون به عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فكان الرجل منهم يعلم تحرِّيَ الآخر الصدقَ وشدةَ احترازه عن الغلط، فإذا أخبره عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بشيء كان عنده في الوثوق نحوًا مما لو سمعه هو من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكانوا مع ذلك معروفين عند إخوانهم وعند التابعين بالصدق والأمانة، فكان أحدهم إذا سمع من أخيه الحديث وثقَ به هذه الثقةَ، فيرى أنه ليس في الإخبار به عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بدون بيان الواسطة غِشٌّ في الدين، ولا تعرُّضٌ للاتهام.


(١) في الأصل: "أخبارًا".

<<  <   >  >>