أَو آخرةٍ سيُحاسبون فِيهَا على أَعْمَالهم.
ثمَّ بتقرير أَن الْإِنْسَان ذَاته بصيرةٌ على نَفسه، وَأَن معاذيره الكاذبة لن تَنْفَعهُ.. يَوْم تُبلى السرائر.
ثمَّ بعد ذَلِك - بعد الْآيَات (المعترضة) مُبَاشرَة - يَأْتِي ذكر أُولَئِكَ المتعجِّلين من قصار النّظر، الَّذين لَا يرَوْنَ أبعد من أنوفهم، فيحبون العاجلة ويذرون الْآخِرَة.
ثمَّ يَأْتِي تَصْوِير حَال الْوَاحِد من هَؤُلَاءِ، إِذْ يعاين سَكَرَات الْمَوْت، ويتبدَّى ضعفه التَّام، وضآلته الْبَالِغَة أَمَام الْحَقِيقَة الرهيبة الَّتِي طالما تصامم عَنْهَا، وتشاغل عَن الِالْتِفَات إِلَيْهَا، حقيقةِ الْمَوْت، مصيرِه ومصيرِ جَمِيع الْخلق، وحينها - حِين تبلغ روحه التراقي، ويُهرع أَهله وَمن حوله إِلَى من يرقيه.. بَيْنَمَا يُوقن هُوَ وَهُوَ على أَبْوَاب الْآخِرَة أَنَّهَا النِّهَايَة - حينها فَقَط يعلم أَن الله هُوَ الْحق الْمُبين، بَيْنَمَا كَانَ - فِي فرصه الْإِمْكَان - يعِيش حَيَاته لاهياً عابثاً، وَلَا يَأْخُذ هَذِه الْحَقَائِق مَأْخَذ (الْجد الْخَالِص) الَّذِي يَنْبَغِي لَهَا.
ثمَّ تُقرِّر السُّورَة فِي آياتها الْأَخِيرَة هَذِه الْحَقِيقَة، عَن طَرِيق الِاسْتِفْهَام الإنكاريِّ التوبيخي: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} لِترد عجزها إِلَى صدرها، لتلتقي الْمُقدمَة والمؤخرة على بَيَان وجوب (الْجد الْخَالِص) ، الَّذِي لن ينجو إِنْسَان بِغَيْرِهِ.
يَقُول سيد قطب - رَحمَه الله -: ((.. وَهَكَذَا تعالج السُّورَة عناء هَذَا الْقلب، وإعراضه، وإصراره، ولهوه، وتُشعره بالجدِّ الصارم الحازم فِي هَذَا الشَّأْن، شَأْن الْقِيَامَة، وشأن النَّفس، وشأن الْحَيَاة المقدّرة بحسابٍ دَقِيق، ثمَّ شَأْن هَذَا الْقُرْآن الَّذِي لَا يُخرم مِنْهُ حرف؛ لِأَنَّهُ من كَلَام الْعَظِيم الْجَلِيل، الَّذِي تتجاوب جنباتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute