للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

سائرة، وَحكما جليلة، وأدلةً على التَّوْحِيد بيِّنة، وكلمات فِي التنْزيه والتحميد شريفة. (...) وَلَو لم يكن إِلَّا حديثٌ وَاحِد على هَذَا النمط الباهر لكفى، وأقنع وشفى {وَلَو لم تكن إِلَّا سورةٌ وَاحِدَة لكفت فِي الإعجاز.. فَكيف بِالْقُرْآنِ الْعَظِيم؟} )) (١) ..

(٤) مُنَاسبَة فَاتِحَة السُّورَة لخاتمتها: وَرَغمَ أَن هَذَا يظْهر من خلال عرض مَقَاصِد السُّورَة، الَّتِي تردُّ الآخر إِلَى الأول، وتمهد بِالْفَاتِحَةِ للخاتمة.. إِلَّا أنَّا نخصه بِالذكر لزِيَادَة الْبَيَان على هَذَا الاتساق والترابط فِي بُنيان السُّورَة الْوَاحِدَة.

فقد قصَّت السُّورَة الْكَرِيمَة فِي أوائلها كَيفَ نجح الشَّيْطَان فِي إِخْرَاج آدم من الْجنَّة، وبينت أَن محاولاته لتضليل بنيه لن تَنْتَهِي.. وَفِي أثْنَاء السُّورَة تناولت - عبر قصَص أَنْبيَاء الله نوح وَهود وَصَالح وَلُوط وَشُعَيْب ومُوسَى، مَعَ أقوامهم - كَيفَ نجح اللعين مرّة أُخْرَى فِي إغواء من أغوى عبر تَارِيخ الإنسانية، وَلكنهَا عَادَتْ فِي الْأَخير لتذكر بِأَن الشَّيْطَان، مهما بلغ، لَا يملك أَكثر من الوسوسة.. فكيده، مهما عظم، ضَعِيف.. ومكره، مهما استخفى، لَا يَحِيق إِلَّا بِهِ وبأوليائه.. وَمَا دَامَ الْإِنْسَان معتصماً بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم، فستنهزم عَنهُ وساوس اللعين وترتد مدحورةً: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (الْآيَة ٢٠١) .. وَخير مَا يعْصم الْمَرْء تشبثُه بِذكر الله تَعَالَى؛ فَإِن هَذَا الذّكر هُوَ الَّذِي يعصمه من الزلل، ويستبقيه فِي مستوى الْإِيمَان الرفيع. وَخير الذّكر هُوَ الْقُرْآن الْمجِيد، الَّذِي افتتحت السُّورَة بتقرير حقيته: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (الْآيَة ٢) ، واختتمت بتعظيم شَأْنه: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الْآيَة ٢٠٤) .. وَبِهَذَا الذّكر يَنْتَظِم


(١) مُسْتَفَاد من: إعجاز الْقُرْآن، الباقلاني، ص ٢٩٦، ٢٩٧ (بِتَصَرُّف) .

<<  <   >  >>