للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

التَّرْكِيب. وَالثَّانِي: نظمها مَعَ أُخْتهَا بِالنّظرِ إِلَى التَّرْتِيب. وَالْأول أقرب تناولاً، وأسهل ذوقاً، فَإِن كل من سمع الْقُرْآن - من ذكيٍّ أَو غبيٍّ - يَهْتَز لمعانيه، وَتحصل لَهُ عِنْد سَمَاعه رَوْعةٌ بنشاط، ورهبةٌ مَعَ انبساط، لَا تحصل عِنْد سَماع غَيره، وَكلما دقق النّظر فِي الْمَعْنى عظُم عِنْده موقع الإعجاز، ثمَّ إِذا عَبَر الِفطنُ من ذَلِك إِلَى تأمُّل ربط كل جملَة بِمَا تلته وَمَا تَلَاهَا، خفيَ عَلَيْهِ وجهُ ذَلِك، وَرَأى أَن الْجمل متباعدة الْأَغْرَاض، متنائية الْمَقَاصِد، فَظن أَنَّهَا متنافرة، فَحصل لَهُ من الْقَبْض وَالْكرب بأضعاف مَا كَانَ حصل لَهُ من الهز والبسط، وَرُبمَا شككه ذَلِك، وزلزل إيمَانه، وزحزح يقينه. وَرُبمَا وقف كيِّسٌ (١) من أذكياء الْمُخَالفين عَن الدُّخُول فِي هَذَا الدّين - بعد مَا وضحت لَدَيْهِ دلائله، وبرزت لَهُ من حِجالها دقائقه وجلائلُه - لحكمةٍ أرادها منزِّله، وأحكمها مجمله ومفصَّله، فَإِذا اسْتَعَانَ بِاللَّه (٢) ، وأدام الطّرق لباب الْفرج، بإنعام التَّأَمُّل، وَإِظْهَار الْعَجز، والوثوق بِأَنَّهُ فِي الذرْوَة من إحكام الرَّبْط، كَمَا كَانَ فِي الأوج من حسن الْمَعْنى وَاللَّفْظ، لكَونه كَلَام من جلَّ عَن شوائب النَّقْص، وَحَازَ صِفَات الْكَمَال (...) انْفَتح (٣) لَهُ ذَلِك الْبَاب، ولاحت لَهُ من وَرَائه بوارق أنوار تِلْكَ الْأَسْرَار ...)) (٤) .

وعَلى الرغم مِمَّا يظْهر من هَذِه الأهمية الْبَالِغَة لهَذَا الْعلم فِي بَاب إِثْبَات


(١) فِي الْقَامُوس مَادَّة (مكس) : تماسكا فِي البيع، تشاحّا، وماكسه: ساحّة فَالْمُرَاد: اخْتلفَا وتشاكسا فِي الرَّأْي.
(٢) أَي هَذَا المكيس الْمَذْكُور سَابِقًا.
(٣) هَذَا جَوَاب قَوْله: ((فَإِذا اسْتَعَانَ بِاللَّه)) .
(٤) نظم الدُّرَر فِي تناسب الْآيَات والسور، برهَان الدّين البقاعي، مطبوعات دَائِرَة المعارف العثمانية بِالْهِنْدِ، ط ١/١٩٦٩، ١/١١، ١٢.

<<  <   >  >>