للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إعجاز الْقُرْآن، وجدنَا بعض أجلة الْعلمَاء يقلِّلون من شَأْنه، وينتقدون المهتمين بِهِ، لحجةٍ واهيةٍ جدا، وَلَعَلَّ أبرز هَؤُلَاءِ - وهم قلَّة على أَيَّة حَال - شيخُ الْإِسْلَام وسلطان الْعلمَاء الإِمَام الْجَلِيل عزُّ الدّين ابنُ عبد السَّلَام (ت ٦٦٠?) ، وَهَذَا نصُّ كَلَامه فِي هَذَا الْموضع، حَيْثُ قَالَ - رَحمَه الله -:

((وَاعْلَم أَن من الْفَوَائِد أَن من محَاسِن الْكَلَام أَن يرتبط بعضه بِبَعْض؛ ويتشبث بعضه بِبَعْض، لِئَلَّا يكون مقطَّعاً متبَّراً، وَهَذَا بِشَرْط أَن يَقع الْكَلَام فِي أمرٍ مُتحد، فيرتبط أَوله بِآخِرهِ. فَإِن وَقع على أَسبَاب مُخْتَلفَة، لم يشْتَرط فِيهِ ارتباط أحد الْكَلَامَيْنِ بِالْآخرِ. وَمن ربط ذَلِك، فَهُوَ متكلف لما لم يقدر عَلَيْهِ إِلَّا بربطٍ رَكِيك، يُصان عَن مثله حَسَنُ الحَدِيث، فضلا عَن أحْسنه، فَإِن الْقُرْآن نزل على الرَّسُول - عَلَيْهِ السَّلَام - فِي نيفٍ وَعشْرين سنة، فِي أَحْكَام مُخْتَلفَة، شرعت لأسباب مُخْتَلفَة غير مؤتلفة، وَمَا كَانَ كَذَلِك لَا يَتَأَتَّى ربطُ بعضه بِبَعْض؛ إِذْ لَيْسَ يحسن أَن يرتبط تصُّرف الْإِلَه فِي خلقه وَأَحْكَامه بعضه بِبَعْض مَعَ اخْتِلَاف الْعِلَل والأسباب.

وَلذَلِك أَمْثِلَة:

أَحدهَا: أَن الْمُلُوك يتصرفون فِي مُدَّة ملكهم بتصرفات مُخْتَلفَة، وَأَحْكَام متضادة، وَلَيْسَ لأحدٍ أَن يرْبط بعض ذَلِك بِبَعْض.

الْمِثَال الثَّانِي: الْحَاكِم يحكم فِي يَوْمه بوقائع مُخْتَلفَة متضادة، وَلَيْسَ لأحدٍ أَن يلْتَمس ربط بعض أَحْكَامه بِبَعْض.

الْمِثَال الثَّالِث: أَن الْمُفْتِي يُفتي مُدَّة عمره، أَو فِي يومٍ من أَيَّامه، أَو فِي مجلسٍ من مجالسه - بِأَحْكَام مُخْتَلفَة - وَلَيْسَ لأحدٍ أَن يلْتَمس ربط بعض فَتَاوِيهِ بِبَعْض.

الْمِثَال الرَّابِع: أَن الْإِنْسَان يتَصَرَّف فِي خاصته بِطَلَب أُمُور مُوَافقَة ومختلفة

<<  <   >  >>