للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَانَ متكرراً فِيهِ.. فَكَأَنَّهُ قِطْعَة وَاحِدَة ‍ {)) (١) .

وَيَقُول فِي مَوضِع آخر:

((.. فَأَنت مَا دمت فِي الْقُرْآن حَتَّى تفرغ مِنْهُ لَا ترى غير صُورَة وَاحِدَة من الْكَمَال، وَإِن اخْتلفت أجزاؤها فِي جِهَات التَّرْكِيب، وَمَوْضِع التَّأْلِيف، وألوان التَّصْوِير، وأغراض الْكَلَام.. كَأَنَّهَا تُفضي إِلَيْك جملَة وَاحِدَة، حَتَّى تُؤْخَذ بهَا، ويغلب عَلَيْك شَبيه فِي التَّمْثِيل مِمَّا يغلب أهل الحِسِّ بالجمال إِذا عَرضت لأَحَدهم صُورَة من صوره الْكَامِلَة، فَإِن لَهُم ضربا من النّظر يعتريهم فِي تِلْكَ الْحَالة الْوَاحِدَة، وَلَو سميته (حِسَّ النّظر الفكري) لم تبعد، فَهُوَ يَبْتَدِئ فِي الصُّورَة الجميلة، ويستتم فِي النَّفس، فَلَو أَنَّهَا أغمضت الْعين دونهَا؛ لبقيت الصُّورَة ماثلة بجملتها فِي الْفِكر، وَلَو وقفت الْعين على جهةٍ وَاحِدَة مِنْهَا، لوصلها الْفِكر بِسَائِر أَجْزَائِهَا، فتمثلت بِهِ سويةَ التَّرْكِيب، تَامَّة الْخلق.. فِي حِين لَا ترى الْعين إِلَّا هَذِه الْجِهَة وَحدهَا} (...) .

وَهَذِه الرّوح (أَي روح التَّرْكِيب) لم تُعرف فِي كلامٍ عربيٍّ غير الْقُرْآن، وَبهَا انْفَرد نظامه، وَخرج مِمَّا يطيقه النَّاس، ولولاها لم يكن بِحَيْثُ هُوَ كَأَنَّهُ وُضع جملَة وَاحِدَة، لَيْسَ بَين أَجْزَائِهَا تفاوتٌ أَو تبَاين؛ إِذْ ترَاهُ ينظر فِي التَّرْكِيب إِلَى نظم الْكَلِمَة وتأليفها، ثمَّ إِلَى تأليف هَذَا النّظم، فَمن هَاهُنَا كَانَ تعلُّقه بعضه على بعض، وَخرج فِي معنى تِلْكَ الرّوح صفة وَاحِدَة، هِيَ صفة إعجازه فِي جملَة التَّرْكِيب كَمَا عرفنَا، وَإِن كَانَ فِيمَا وَرَاء ذَلِك مُتَعَدد الْوُجُود الَّتِي يتَصَرَّف فِيهَا


(١) إعجاز الْقُرْآن، مصطفى صَادِق الرَّافِعِيّ، دَار الْكتاب الْعَرَبِيّ - بيروت، ص ٢٠١، مَعَ التَّنْبِيه إِلَى أَن مَا بَين القوسين الكبيرين من زيادتنا، مِمَّا استفدنا من كَلَام الرَّافِعِيّ فِي السِّيَاق كُله.

<<  <   >  >>