ولقد أخبر صلى الله عليه وسلم:"أنه لا يؤمن أحد حتى يكون نبيه أحب إليه من ولده ووالده، ونفسه، وماله، والناس أجمعين"، ولكن هذه المحبة تتمثل في طاعته واتباعه، وتقليده في أفعاله، والتقيد بسنته، والتمسك بها، والعض عليها بالنواجذ في كل وقت وحال، لا في الغلو فيه وإطرائه الذي قد نهى عنه، وقال:"إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله". وقال لقوم دعوه بالسيادة والفضل:"قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله" رواه النسائي.
بقي أن يُقال: لعل الكثير من هؤلاء الزوار قصدوا المسجد النبوي الذي ورد الإذن في شد الرحل إليه، لمزيته ومضاعفة الصلاة فيه.
والجواب: أن هذا القصد مباح، ولعله مراد من ذكر الزيارة من العلماء الأجلاء في مؤلفاتهم، حيث ذكروا أنه يبدأ بالمسجد فيصلي فيه، ثم يزور القبور والبقيع والشهداء، الزيارة الشرعية المدونة أفي دواوين أهل السنة، ولكن مع ذلك فإن المقام بمكة أفضل وأولى لمن هذا قصده، فإنها خير بقاع الأرض، والصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة صلاة بمسجد المدينة، وكما في قصة الذي نذر أن يصلي في المسجد الأقصى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"صلّ هاهنا". وذلك حرصاً منه على مضاعفة العمل.
ثم إنَّا لا نمنع السفر إلى المدينة النبوية أو غيرها من البلاد، لا لقصد بقعة معينة لاعتقاد مزية فيها، وإنما لقصد السير في الأرض للاعتبار، والتذكر لأحوال الأمم والأجيال الماضية، فإن ذلك مما يدخل في أمر الله تعالى في قوله:((قل سيروا في الأرض)) (النحل:٦٩) . ((أفلم يسيروا في الأرض)) (محمد:١٠) .