فإن المدح إنما هو بالصفات المثبتة لا بالصفات المنفية، فإذا قال مثلاً: جلَّ عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، فهذا نفي، وقد نفى الله ذلك عن نفسه في عدة آيات، كقوله تعالى:(ما اتخذ صاحبةً ولا ولداً)(الجن:٣ () ، وكقوله تعالى:(ولم يكن له كفواً أحدا)(الإخلاص:٤) ، وكقوله تعالى:(فلا تجعلوا لله أنداداً)(البقرة:٢٢) ، وكقوله تعالى:(فلا تضربوا لله الأمثال)(النحل:٧٤) ، وكقوله تعالى:(ليس كمثله شيء)(الشورى:١١) ، وكقوله تعالى:(هل تعلم له سمياً)(مريم:٦٥) .
هذه كلها نفي وسلب، ولكن يمدح نفسه بهذا السلب لأنه يتضمن ثبوت أضداد هذه الصفات، وكذلك قوله تعالى (ما اتخذ صاحبة ولا ولداًَ)(الجن:٣) ، وكقوله تعالى:(وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل)(الإسراء:١١١) .
كل ذلك يستدعي صفة ثبوتية هي التفرد والوحدانية التي تستلزم الكمال فإنه إذا كان واحداً فرداً صمداً تصمد إليه القلوب، وتتوجه إليه الرغبات، ومع ذلك هو محيط بالمخلوقات، وعالم بها، ومع ذلك هو خالقها، ومدبرها وحده، أليس ذلك دليل العظمة؟ أليس ذلك دليل الكبرياء؟ لا شك أنه إذا تنزه عن أن يحتاج إلى صاحبة -يعني زوجة- لا يحتاج إلى ولد، لم يلد ولم يولد، وقد نزه الله نفسه عن الولد، وأخبر بأن هذه فرية قالها المشركون، وأنها أعظم فرية وأكبرها، قال تعالى:(تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً)(مريم:٩٠-٩٢) .
يعني أن مقالتهم هذه تكاد أن تتفطر لها السماوات، وتنشق لها الأرض، وتخر لها الجبال، وتتفطر لها المخلوقات العظيمة لعظم شناعتها، حيث جعلوا لله تعالى ولداً مع أنه مستغن عن الولد والوالد والشريك والنظير والمثيل والند والكفؤ؛ لماذا؟