وقد يقول بعض الأعداء كالرافضة: إنهم فعلوا وإنهم فعلوا؛ ويعدونها مثالب ومعايب يقدحون بها فيهم، ومن قرأ كتب هؤلاء الرافضة رآها ممتلئة بمثل هذه المثالب. وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية القول في هذا المساوئ، وذكر أن منها ما هو كذب مفترى لا أصل له فلا يلتفت إليه، ومنها ما هو مغير قد زيد فيه ونقص منه، وغير عن وضعه حتى توهمه من يسمعه أنه مثلبة ومنقصة، وهو في الحقيقة مدح وثناء، ولكن الأعداء يصوغونه بصياغة يؤخذ منها العيب وهو في الحقيقة مدح، والأمثلة على ذلك كثيرة أيضاً.
رأيت لبعض المتأخرين كتاباً في مجلدين ينشره الرافضة ويوزعونه عنوانه (ثم اهتديت) أو (رجال آمنوا) ، والعجب من أمره أنه يجعل كثيراً من المحاسن مساوئ، ويدعي أنها مثالب ويبالغ في القدح فيها، فمنها اعتراض عمر رضي الله عنه على صلح الحديبية، فهل هذا يعتبر طعناً فيه؟ إنه تحمس لما رأى الصلح قد تم على تلك الشروط، وكان يحب أن يقتحم المسلمون البلاد وأن يقاتلوا ولو قتلوا، وكان مما ساءه ذلك الشرط الذي فيه؛ أن من جاء مسلماً فإنه يرد. فأخذ الكاتب المذكور يكيل لعمر من السب في اعتراضه على هذا الحكم.
ويقال أيضاً أن علياً رضي الله عنه من جملة الذين اعترضوا في ذلك حتى إنه لما قيل له: (امح "رسول الله") . امتنع عن ذلك وقال:(لا والله لا أمحوك أبداً) مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمره، ولكن لم يجعلوا هذا الامتناع عيباً. فلا شك أن فعل عمر رضي الله عنه مدحٌ له، لأنه دليل على حماسته ودليل على غيرته، ثم إنه بعد ذلك وافق رأي الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي به وقال:(فعملت لذلك أعمالاً) .