كذلك أيضاً من جملة ما يطعنون به في عمر رضي الله عنه؛ اعتراضه على الكتاب الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته:(ائتوني بكتاب أكتبه لكم لا تضلون بعده أبداً) وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرهقه المرض، فرفق عمر رضي الله عنه به، وقال: إنه قد بلغ به ما ترون، وعندنا كتاب الله حسبنا.
فالرافضة حملوا على عمر حملة شنعاء، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يكتب الولاية لعلي، ولكن عمر خاف أن تكتب لعلي؛ فنهى عن كتابتها، فصده عن أن يكتب هذا الكتاب هكذا حملوه هذا المحمل؛ مع إنه ما فعل ذلك إلا رفقاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهل يكون هذا قدحاً في عدالته؟ حاشى وكلا، ولكنهم يغيّرون، وبذلك نعرف أن ما يوردونه من المثالب ومن المساوئ مصوغ صياغة فيها قدح مع أنها في الحقيقة مدح.
فنحن نحب الصحابة ونترحم عليهم، ونكف عما شجر بينهم من الاختلاف، والاختلاف الذي حدث بينهم؛ إما اختلاف في المسائل الفقهية، وهذا يحدث كثيراً بين أهل الاجتهاد، ومع ذلك هم متآخون متحابون ولو حصل بينهم شيء من الاختلاف. فقد اختلفوا مثلاً في الحاج: هل يفضل له أن يحرم مفرداً، أو يحرم قارناً، أو يحرم متمتعاً؟ ومع ذلك فهذا الاختلاف ما أدى بهم إلى بغضاء؛ ولا إلى احتقار بعضهم لبعض، ولا إلى مقاطعة، ولكنه من باب الاجتهاد.