وهناك مسائل كثيرة وقع فيها اختلاف من جنس هذا، ومثل هذا لا يعد قدحاً فيهم إنما هو اختلاف في مسائل فقهية اختلف فيها أيضاً من بعدهم، وكان سبب الاختلاف كثرة الأدلة وتنوعها، أو النظر فيها. يقول شيخ الإسلام: إنهم في هذه المسائل التي اختلفوا فيها معذورون، فهم إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، فإن كانوا مصيبين فلهم أجران، وإن كانوا مخطئين فلهم أجرٌ على الاجتهاد، وخطؤهم مغفور. فإذا كان أحدهم قد صدر منه ذنب حقيقي فيقول شيخ الإسلام: لعله قد تاب منه، والتوبة تجب ما قبلها، أو لعله غفر له بفضل سوابقه، فلهم سوابق لا يدركها من بعدهم، أو لعله غفر له بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم والصحبة أيضاً عمل يختص بهم، أو لعله يغفر لهم بشفاعته صلى الله عليه وسلم فإنهم أحق بها من غيرهم؛ وذلك لتميزهم بالصحبة له. وبكل حال فهذا الذي يقال عما صدر منهم.
أما الذي شجر بينهم من القتال -كالذي حصل بين علي ومن خالفه في وقعة الجمل، فنكف عن هذا ونعذرهم. فإن علياً رضي الله عنه قاتلهم لجمع الكلمة، وهم ما قصدوا قتال علي؛ فالزبير، وطلحة، وعائشة ومن معهم قصدوا قتال البغاة، أو الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه، هؤلاء يطالبون بقتلة عثمان، وهو يطالب بجمع الكلمة.
وكوقعة صفين التي كانت بين أهل الشام وأهل العراق، والتي قتل فيها خلقُ كثير، هذه أيضاً فتنة من الفتن التي حدثت بينهم، نكف عنها ونقول: إن كلاً منهم مجتهد. وملخصها أن معاوية ومعه عمرو بن العاص، ومعه من معه من الصحابة في جانب يطالبون بدم عثمان ويقولون لعلي: سلّم لنا قتلة عثمان وعليٌّ في جانب يقول لهم: بايعوني حتى تجتمع الكلمة، وحتى تقوى الشوكة، ومن ثم أنا وأنتم نأخذ قتلة عثمان واحداً واحداً.