ومعروف أيضاً أن العبد مشغول بطاعة سيده الذي يملكه، ولكن قد يكون في بعض الإحيان أن بعض الملوك يولي بعض المماليك على بعض الولايات، ويفوض إليه الأوامر فيكتب إلى تلك الجهة أن يسمعوا له ويطيعوا، ولو كان عبداً مملوكاً ولو كان حقيراً حبشياً أسود.
فالجواب أن نسمع ونطيع لكل وال لكن بشرط؛ وهو أن تكون الطاعة في المعروف فإذا كان كذلك فإنا نسمع له ونطيع، وقد ورد في حديث حذيفة بن اليمان أنه قال صلى الله عليه وسلم:"تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع"؛ وذلك لأن في السمع والطاعة تمشية لأمور المسلمين، وتسوية للخلاف فيما بينهم، وجمعاً للكلمة وبعداً عن التضاد والفوضى ونحو ذلك، وفي الخروج عليهم، وفي قتلهم أو قتالهم وعدم الطاعة لهم تحصل المفاسد الكثيرة.
وفي حديث عبد الله بن حذافة لما أمَّره النبي صلى الله عليه وسلم على سرية وأمَرهم بأن يطيعوه، وفي أثناء الطريق غضب فأمرهم أن يوقدوا ناراً، وأمرهم أن يدخلوها -من شدة غضبه، فقالوا: ما هربنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا هرباً من النار فكيف ندخلها؟! فلم يزل بعضهم يحجز بعضاً حتى خمدت النار وسكن غضبه، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لو دخلوها ما خرجوا منها. إنما الطاعة في المعروف". يعني أن الذي يطاع فيه هو الذي يكون من المعروف، وأما مثل هذا فإنه منكر.
ولذلك ورد في حديث آخر "فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" إذا أمر أحد الولاة بما هو معصية كقتل بريء مثلاً أو سلب بريء أو اختطاف أو سرقة أو أخذ شيء ونحوه مما يكون الوالي مخطئاً فيه، فلا تجوز طاعته في ذلك. كما أنه لا تجوز أيضاً طاعته إذا أمر بترك الطاعة، كما لو أمر بهدم المساجد أو بناء المشاهد أو إباحة فعل الفواحش والمنكرات وما أشبهها، فلا يجوز أن يطاع في ذلك لأن هذا يصادم الأوامر الشرعية، هذا معنى كونه إنما يطاع في المعروف.