المرتبة الرابعة: أن يتمنى زوال النعمة عن غيره بغضاً لذلك الشخص، لسبب شرعي، كأن يكون ظالماً يستعين على ظلمه بذلك المنصب، أو ذلك الجاه والمال، فيتمنى زوالها ليريح الناس من شره، وكالفاسق الذي يستعين بالمال أو المنصب على فسقه وفجوره، فتمني زوال ذلك والسعي فيه لا إثم فيه، بل قد يكون مثاباً إذا عمل على إراحة المسلمين من الشر والعسف، والظلم والتجبر الذي يتسلط به ذلك الظالم بسبب منصبه أو جاهه.
المرتبة الخامسة: أن يتمنى لنفسه مثلها، ولا يحب زوالها عن أخيه، ولا يسعى في ذلك، سواء كانت تلك النعمة من مباح متاع الدنيا كالمال والجاه، أو من النعم الدينية كالعلم الشرعي، والعبادة الدينية، وقد ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم:"لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها"، وهذا لا يسمى حسداً إلا من حيث الظاهر، وإلا فهو غبطة ومنافسة، ومحبة للحصول على الخير الدنيوي، والأجر الأخروي، فهو يحب أن يكون مثل أخيه، ويغبطه بذلك، وله مثل أجره على حسن نيته وقصده.
أسباب الحسد ودوافعه
يمكن أن نلخص ذلك في سبعة أسباب:
أولها: العداوة والبغضاء، فمن آذاه إنسان وأوصل إليه ضرراً، فلا بد أن يبغضه، ويغضب عليه، ويتولد من ذلك الحقد المقتضي للتشفي والانتقام، فإن عجز المبغض عن أن يتشفى منه بنفسه أحب أن يتشفى منه الزمان، قال تعالى:((إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها)) (آل عمران:١٢٠) . وربما أفضى هذا الحسد إلى التقاتل والتنازع.
ثانيها: التعزز، فإنَّ واحداً من أمثاله إذا نال منصباً عالياً، يترفع به عليه، وهو لا يمكنه تحمل ذلك، أراد زوال ذلك المنصب عنه، وليس غرضه التكبر، بل يريد أن يدفع كبره، فإنه قد رضي بمساواته.