ثالثها: أن يكون من طبعه أن يستخدم غيره، فيريد زوال النعمة من ذلك الغير، ليقدر على ذلك الغرض، ليكون تابعاً له، ومنه قوله تعالى عن المشركين:((وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم)) (الزخرف:٣١) . يعني أنهم يتكبرون عن أن يكونوا تابعين، بدل ما كانوا متبوعين، وقال تعالى:((أهؤلاء من الله عليهم من بيننا)) (الأنعام:٥٣) . كأنهم احتقروا المسلمين الذين كانوا أتباعاً فاستقلوا عنهم.
ورابعها: التعجب من أن يفضلهم رجل من أمثالهم، كما في قوله تعالى:((أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم)) (الأعراف:٦٣) . فكأنهم عجبوا من رجل مماثل لهم، ينزل عليه الوحي دونهم، فلذلك حسدوه.
وخامسها: الخوف من فوات المقاصد، وذلك يتحقق من المتزاحمين على مقصود واحد كتحاسد الضرائر على مقاصد الزوجية، وتحاسد الإخوة في التزاحم على نيل المنزلة عند الأبوين، وتحاسد الوعاظ المتزاحمين على أهل بلدة وفي ذلك قال الشاعر:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغياً إنه لدميم
وسادسها: حب الرئاسة، كمن يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم ساءه ذلك، وأحب موته، فإن الكمال محبوب لذاته وهذا المحبوب مكروه، ومن أنواع الكمال التفرد به، لكن هذا ممتنع إلا لله تعالى، ومن طمع في المحال خاب وخسر.
وسابعها: شح النفس بالخير على عباد الله، فإنك تجد من لا يشتغل برئاسة ولا تكبر، ولا طلب مال إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله شق عليه ذلك، وإذا وصف اضطراب الناس وإدبارهم فرح به، فهو أبداً يحب الإدبار لغيره، ويبخل بنعمة الله على عباده، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزائنه، وهذا ليس له سبق ظاهر سوى خبث النفس، كما قيل: البخيل من بخل بمال غيره.