وكذلك على المعتكف ألا ينشغل بالدنيا وبأهلها، فلا يسال من رأى، ولا من سمع عن أمر من أمور الدنيا، ولا عن خبر من أخبارها، ولا يهتم بأمر من أمورها. وبعد ذلك يعكف على العبادة؛ فينتقل من جنس الصلاة سواء التراويح أو غيرها، أو التقرب بالرواتب ونحوها، ينتقل إلى القراءة والذكر، والدعاء والابتهال إلى الله، وما أشبه ذلك مع حضور القلب حتى يجمع بين خشوع القلب وحضوره، وبين التكلم باللسان مع اتصافه أيضاً بالخشوع والخضوع.
ولأجل ذلك ذكر ابن رجب أن بعضهم يقول في تعريف الاعتكاف:(أنه قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق) . والعلائق بمعنى العلاقات فتقطع علاقتك بفلان وفلان، وتنقطع منها عن جميع الخلائق، ويتصل قلبك بربك بحيث يكون ذكر الله على قلبك دائماً، نائماً ويقظان، قائماً وقاعداً ومضطجعاً.
تذكر الله في كل حالاتك، وتتأمل، وتعقل ما تقول إذا كنت مشتغلاً بذلك. وإن قرأت القرآن قرأته بتدبر.
وقد أدركنا قبل أربعين سنة، أو خمسين سنة آباءنا ومشايخنا كانوا يعتكفون، ولا يُخلُّونَ بالاعتكاف، وكانوا يعكفون على القرآن، حيث رزقهم الله حفظ القرآن وسهولته، فكانوا يختمونه كل يوم غالباً، أو كل يومين مع التدبر!! ذلك لأنه شغلهم الشاغل في ليلهم ونهارهم، إلا أنه فقط يؤتى بأكله، بفطوره وسحوره، وأحياناً يقتصر على السحور. فيتناول في الإفطار تمرات قليلة، ولا يتناول عشاءً، ويجعل عشاءه سحوراً.
هكذا أدركنا مشايخنا؛ يخرج الواحد منهم لقضاء الحاجة فقط، وللوضوء، لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يعود أهله، ولا يفتح باب زيارة ولا غير ذلك.