ويبيت الحجاج في منى تلك الليلة وهي ليلة التاسع من ذي الحجة، وهذا المبيت يعتبر سُنة مؤكدة، وإن ذهب بعض العلماء إلى وجوبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه حافظوا عليه، فكانوا يبيتون ليلة تسع في منى، ويتوجهون صباح التاسع بعد طلوع الشمس إلى عرفة، فيكون هذا المبيت مؤكداً، والذين يتركونه يتركون فضلاً كبيراً، وإن غالب الذين يتركونه هم الذين يتعلقون بغيرهم، وغالبهم من الوافدين الذين يحملهم المطوفون، وذلك أن المطوف يشق عليه أن يسكنهم أولاً بمكة ثم بمنى، ثم بعرفة، ثم بمزدلفة، ثم بمنى، ثم بمكة، فهو ينقلهم رأساً من مكة إلى عرفة، ويترك هذه الشعيرة وهذه السُّنة، وهي المبيت بمنى ليلة عرفة، وهذا فيه تقصير وخطأ ونقص في حجهم، ولكن لجهل أولئك الوافدين ولإحسانهم الظن بهذا المطوف واعتقادهم نصحه، لا ينتبهون لما يفوتهم، ولا يسألون غيرهم، ويكتفي المطوف بإطعامهم ونقلهم وإسكانهم، أما التعليم والإرشاد فقلَّ من يهتم به، وكان الأولى بهم أن يتركوا ذلك المطوف، وأن يبيتوا بأنفسهم بمنى، ويذهبوا على أرجلهم في صباح يوم التاسع إلى مخيماتهم في عرفة، ولكن لا يأتيهم من يُوَجِّهُهُم، وأما من هو منفرد فإنَّه يُتأكد في حقه أن لا يترك هذا المبيت في هذا اليوم.
وعلى الحجاج المحرمين في ذلك اليوم سواء المتمتع، أو القارن، أو المفرد، أن يشتغلوا في حال إحرامهم بالتلبية، وذلك لأن التلبية شعار للحجاج، وعلامة واضحة على أنه متلبس بهذا النسك، فيرفعون أصواتهم بالتلبية ويكررونها.
يوم عرفة
(اليوم التاسع من ذي الحجة)
فإذا أصبح الحجيج في اليوم التاسع، وطلعت الشمس، توجهوا إلى عرفة فالوقوف بها هو الركن الأعظم للحج، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:"الحج عرفة".