وعرفة مكان فسيح واسع ليس فيه بنا، وهو متسع من جهة الشمال، ومن جهة الجنوب، أما من جهة الشرق فتحده تلك الجبال التي تعرف (بجبل الرحمة) وما يتصل به من الجبال، وأما من جهة الغرب فيحده وادي عُرنة وما وراءه.
وذهب بعض العلماء إلى أن عُرنة داخلة في عرفة، وعلى هذا فتكون نهايته ما وراء الوادي إلى منتهى عُرنة، ويدخل فيه على الصحيح نمرة كما في حديث جابر الطويل وغيره كما اختاره الزركشي في شرح مختصر الخرقي (٢٣٧٣) وذكرنا في التعليق عليه بعض الأدلة من السنة.
ويسن للحجاج النزول بنمرة في بطن الوادي إلى الزوال إن تيسَّر ذلك، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا زالت الشمس سن للإمام أو نائبه أن يخطب الناس خطبة تناسب الحال، يبين فيها ما شرع للحاج في هذا اليوم وبعده، ويأمرهم فيها بتقوى الله وتوحيده والإخلاص له في كل الأعمال، ويحذرهم من محارمه.. وغير ذلك.
بعد ذلك يصلي الحجاج الظهر والعصر قصراً وجمعاً في وقت الأولى بأذان واحد وإقامتين لفعله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر.
ثم يقف الحجاج بعرفة، وعرفة كلها موقف، يقفون خاشعين خاضعين، متضرعين، مستكينين لربهم، مظهرين الفقر والفاقة وشدة الحاجة إليه، مقيمين لحرماته، يعلمون أنهم في موقف عظيم يجمعهم كلهم، فالذين يتوافدون إلى البيت، يجتمعون كلهم في ذلك المكان في اليوم التاسع في تلك الصحراء خاضعين لربهم، رافعين إليه أكف الضراعة، داعين له بكرة وعشية، طالبين بحاجتهم الحاضرة والمستقبلية، راجين رحمته، فيباهي بهم ملائكته كما ورد ذلك في بعض الأحاديث:"إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته، فيقول: انظروا إلى هؤلاء، أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق".