يقف الحجاج في ذلك اليوم، وهم على هذه الهيئة، بعد أن أدوا صلاة الظهر والعصر، جمعاً وقصراً، في وقت الظهر، وذلك ليطول زمن الوقوف. ثم يقف الحجاج إن تيسَّر لهم الوقوف عند جبل الرحمة، فذلك أفضل، فإن لم يتيسر لهم، وقفوا في أي مكان من عرفة، في داخل خيامهم أو غيرها، ولكن الأفضل أن يبرزوا ضاحين، لأنه روي عن ابن عباس أنه رأى رجلاً قد استظل بقبة ونحوها فقال:"أضح لمن أحرمت له". يعني: أبرز فلا تستظل ولا تستكن في خيمة. فالأفضل أن يكونوا بارزين ظاهرين من بعد الظهر، إلى غروب الشمس، منشغلين كل ذلك الوقت بالدعاء، والذكر، والتلبية، والقراءة، والأدعية الجامعة، كل ذلك مع حضور القلب وتواطئه مع اللسان، والبكاء، وحزن القلب. فإن ذلك من أسباب قبول العمل، ومن أسباب المغفرة.
بخلاف من كان في هذا الموقف قاسياً قلبه، لا يخشع ولا يخضع ولا يدعو، ولا يتضرع، إنما يترقب وينتظر انتهاء الوقت حتى يسارع ويسابق إلى الانصراف! فإن هذا قد فاته خير كثير، وهو مباهاة الله للحجاج بالملائكة، حتى في حالة كونهم خاشعين شعثاً غبرا، يرجون الرحمة، ويخشون من العذاب.
ويسن أن يكثر من قول:"لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير". لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"خيرُ الدعاء دُعاءُ يوم عرفة، وأفضلُ ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير". وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أحب الكلام إلى الله أربع: سُبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبرُ".
فينبغي الإكثار من هذا الذكر وتكراره بخشوع وحضور قلب، وينبغي الإكثار أيضاً من الأذكار والأدعية الواردة في الشرع في كل وقت؛ ولا سيما في هذا الموضع، وفي هذا اليوم العظيم، ويختار جوامع الذكر والدعاء.