فأما المبيت فهو من واجبات الحج، والأصل أن الحاج يقيم في منى برَحْلِهِ ومتاعه، ولا يذهب منها ليلاً ولا نهاراً إلا لغرض خاص، كالطواف والسعي، ثم يعود، ولهذا تسمى هذه الأيام بأيام منى، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل". وإن كان نص الفقهاء رحمهم الله على المبيت الذي هو الإقامة بها ليلاً، لكن المعروف أن الحجاج مع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل مكة وغيرهم كانوا جميعاً مقيمين بمنى تلك الأيام، يعدون ذلك نسكاً يتم به حجهم، لم يذهبوا إلى دورهم مع قربها، وحاجتهم غالباً إلى أهليهم، فلم يرجعوا إلى بيوتهم حتى أكملوا حجهم، حتى كانوا يقصرون الصلاة لطول المدة التي غابوها عن أهليهم.
ثانياً: رمي الجمار أيام التشريق:
وأما الرمي: فهو أحد الواجبات، وأول وقته بعد زوال الشمس، وآخره غروبها على المختار، ورخص بعض المشايخ في الرمي ليلاً، امتداداً للنهار قبله.
والبدء بالجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، ثم يبتعد عن الزحام ويستقبل القبلة، ويرفع يديه فيدعو طويلاً بما تيسر، ويصح رميها من كل الجهات.
ثم بعدها الجمرة الوسطى يرميها بسبع كذلك، ويدعو بعدها.
ثم جمرة العقبة، ولا يدعو بعدها.
يفعل ذلك في كل يوم من أيام التشريق الثلاثة، إن لم يتعجل، وله أن يتعجَّل في يومين ولا إثم عليه، فإن غربت عليه الشمس في اليوم الثاني وهو في منى لم يرحل، لزمه المبيت والرمي في اليوم الثالث بعد الزوال، وقد روي عن الإمام أحمد جواز الرمي قبل الزوال يوم النفر، كما ذكره في المغني والإنصاف وغيرهما، ولعل ذلك يجوز في هذه الأزمنة لأجل الزحام الشديد الذي قد أودى بحياة بشر كثير.