ثم إن أيام منى هي أيام أكل وشرب، ولهذا لا يجوز صيامها إلا لمن لم يجد الهدي، ولم يتمكن من الصيام قبل يوم النحر، وكذا يسن فيها التكبير بعد الصلوات المكتوبة، والإكثار من ذكر الله تعالى ليلاً ونهاراً، لقوله تعالى:((واذكروا الله في أيام معدودات)) (البقرة:٢٠٣) . وذلك عند الذبح والأكل والرمي، وفي كل الحالات والله أعلم.
آخر أعمال الحج
طواف الوداع
هذا الطواف يفعل عند العزم على السفر من مكة، والرجوع إلى الأهل، وسمي طواف الوداع لأن الحاج يودع البيت والمشاعر، ويختم به أعمال الحج، وهو أحد واجبات الحج، من تركه فعليه دم، كسائر المناسك التي تجبر بدم، ولا يسقط هذا الطواف إلا عن الحائض والنفساء، لورود الرخصة في حق صفية أم المؤمنين لأجل الحيض، وفي الحديث:"أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض"، والمراد بالناس هم الحجاج كلهم.
ومن ذهب وشق عليه الرجوع جبره بدم، فإن تمكن من الرجوع فرجع، وطاف للوداع سقط عنه الدم، ولو كان الرجوع بعد قطع مسافة طويلة، أو مدة طويلة، وذلك لسهولة الرجوع في هذه الأزمنة، بخلاف الزمن القديم، فإن من سار يومين صعب عليه الرجوع، وخاف الانقطاع عن الركب، فيفضل دم الجبران على الرجوع، لمشقته ولطول المسافة، وصعوبة السفر منفرداً خوف قطاع الطريق.
أما وقد وجدت المراكب المريحة التي تقطع المسافة في وقت قريب، مع تعبيد الطرق، وأمن البلاد، فلا خوف ولا ضرر في الرجوع لإكمال هذا النسك.
أما إن لم يرجع وواصل سيره إلى بلاده فإن عليه الدم كما ذكرنا، لكن إن كانت بلاده قريبة كجدة والطائف، وذهب هناك بعد أيام منى خوفاً من شدة الزحام في الطواف، ثم رجع بعد يومين أو نحوها فالأصح أنه يجوز؛ حيث إنه أتى بالواجب كما أمر به.