ثم إن هذا الطواف هو آخر أعمال الحج، فلا يقيم بعده طويلاً، فإن أقام بعده كنصف يوم، أو تعاطى تجارة، ونحوها لزمه إعادته، ليكون آخر عهده بالبيت، ثم بعد فراغه من هذا الطواف، وصلاته ركعتين، يدعو بما ورد، ويسن أن يقف بالملتزم، وهو بين الركن والباب، ويقول:"اللهم هذا بيتك، وأنا عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك، حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضى، وإلا فمن الآن، قبل أن تنأى عن بيتك داري، فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي، غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم اصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، وأجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير".
ويدعو أن لا يكون هذا آخر العهد، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يخرج على حالته، ولا يجوز الخروج القهقري فإنه لا أصل له، والله أعلم.
الزيارة قبل الحج أو بعده
وآثارها في الأمة
تمكن في قلوب الكثير اعتقاد أن زيارة القبر النبوي مع الحج حتم وفرض من الفروض الواجبة، وأن من لم يزره فقد أخل بما يلزمه، فتراهم لذلك يتجشمون المشاق، ويحثون السير إلى المدينة المنورة، وما يقوم بقلوبهم إلا استحضار القبر وتقديسه، واعتقاد أن المسجد ما اكتسب الفضيلة، ولا حاز أجر المضاعفة إلا حيث ضمّ ذلك القبر الشريف.
وأنا أقول: إن هذا الاعتقاد خطأ محض، رغم كثرة من وقع فيه من الأوائل والأواخر، منخدعين بشبه أحاديث مشتهرة على الألسن، قد رواها بالسند بعض من لم يلتزم التثبت: كالطيالسي، والدارقطني، محيلين القرَّاء على السند، فعندما نظرها النقاد بعين البصيرة بينوا ضعفها أو وضعها عقلاً ونقلاً.