للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأقول: إن فيه بعدًا من جهة أن الظاهر في قوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} أنه بعد المرتين كما تقتضيه الفاء.

الجواب الثالث: أنه إنما لم يقل: "طلقتان" إشعارًا بأنه لو قال: طلقتك وطلقتك وطلقتك، أو قال: طلقتك ثلاثًا، أو ألفًا، أو عدد ذرات العالم، كان هذا كله مرةً واحدةً، كما تقول: ضرب فلانٌ عبده اليوم مرتين، فيصدق بما لو ضربه كل مرة من المرتين ضربةً، أو ضربتين، أو ضربات.

ويحتج لهذا القول بأن الآية نزلت لإبطال ما سبق من تكرر الطلاق مع تكرر الرجعة مرارًا لا حدَّ لها، [إذ] كان لأحدهم أن يقول: أنت طالق ألفًا ثم يراجعها، ثم يقول: أنت طالق ألفًا ثم يراجعها، ثم يقول: أنت طالق ألفًا ثم يراجعها، وهكذا مرارًا لا حدَّ لها.

فقيل لهم: إن الطلاق الذي تعقبه الرجعة مرتان، لا مِرارٌ لا حدَّ لها، فالمرة الواحدة هي طلاق تعقبه رجعة، مع صرف النظر عن ذلك الطلاق أطلقةً كان أم ألفًا (١).

وهذا جوابٌ جيد، لكنه لا يأتي إلا على قول الظاهرية والزيدية وعامة الشيعة ومن وافقهم: إن الطلاق الثلاث الذي يحرمها حتى تنكح زوجًا غيره، إنما هو طلاق يتبعه رجعة، ثم طلاق يتبعه رجعة، ثم طلاق. فأما أن يقول: طلقتك ألفًا، أو يكرر لفظ الطلاق في كلامٍ واحدٍ، أو يطلق مرارًا كثيرةً لم تتخللها رجعة، فهذا كله مرةٌ واحدةٌ.


(١) كتب المؤلف هنا: "ملحق". ويقصد به الكلام الآتي.

<<  <   >  >>