أصحها: أن الربا في هذا الحديث أريد به الربا الحقيقي، فهو لا يكون إلا في النسيئة، وأما إطلاق الربا فيما مُنِع من النقد فهو مجاز. فإما أن يكون أصل الربا في اللغة: الزيادة مطلقًا، ونقله الشارع إلى الزيادة المخصوصة في النسيئة، ثم أطلق الربا في الزيادة في النقد على أصل اللغة، وإما غير ذلك.
والذي تبين لي أن الربا في عرف اللغة خاص بالنسيئة، وقد دلّ القرآن وحديثُ:"لا ربا إلا في النسيئة" على أنه في الشرع كذلك، كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
وإطلاق الربا في البيع المحرم نقدًا إنما هو من باب التشبيه، والجامع بينهما أن كلاًّ منهما زيادة محرمة.
فإن قيل: لكن قوله: "عين الربا، عين الربا"(١) ينافي المجاز، كما يقوله النحاة في التوكيد.
قلت: أما التكرار فهو من باب التوكيد اللفظي، وقد صرَّح النحاة بأنه يجيء لغير نفي التجوز، كأن يخشى المتكلم أن لا يكون بعض المخاطبين سمع الأول كما ينبغي، فيكرر ليتحقق السماع، كما تقول: رأيت أسدًا يرمي، رأيت أسدًا يرمي.
وأما قوله:"عين الربا" إذا قيل: إنه بمنزلة "الربا عينه"، وقد قال النحاة: إن التوكيد بالنفس والعين لدفع احتمال التجوُّز، فمحلُّ ذلك حيث لم تقم قرينة على المجاز، فأما إذا قامت كأن يقال: أبو يوسف أبو حنيفة عينُه، فإنما يكون للمبالغة، والحديث من هذا. والله أعلم.