للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليبيع أرضه وجد في المسلمين من يُقرِضه ما يؤدي به دينه، ويُنظِره.

نحن: ولم يزل الناس إلى الآن يُقرِضون ويُنظِرون، وإنما قلَّ ذلك لأمور:

أولها: قلة الأمانة في المستقرض، فغالب الناس الآن إذا ظفر أحدهم بمن يُقرِضه عدَّ ذلك القرض غنيمة، فبدلَ أن يهتمَّ بقضائه يهتمُّ بمماطلته، وقد كان يقع مثل هذا قديمًا، ولذلك قيل في المثل القديم: "الأخذ سُرَّيْطَى والقضاء ضُرَّيْطَى" (١).

ولكن وقوعه الآن ــ ولاسيما في المسلمين ــ أكثر، بل لا تكاد تجد ذلك إلا في المسلمين.

الثاني: أن الشريعة سدَّتْ أبوابَ الربا؛ لتيسير القرض، فكثير من الناس يكون لديه مال زائد عن حاجته في الحال، ولا يريد أن يتجر فيه، فإذا سُدَّت عليه أبوابُ الربا، لم يبق أمامه إلا أن يَكْنِزه أو يُقرِضه، والإقراض خير له وأنفع، كما قدَّمنا في فوائد المقرض.

فلما فتح قِصارُ النظر من الفقهاء أبواب الربا بالحيل والمعاذير، ومن جملة ذلك هذا البيع الذي نحن بصدده، عزَّتْ رغبةُ الناس في الإقراض، فكان ــ سابقًا ــ مَن بيده مالٌ لا يريد أن يتجر فيه محصورًا بين أن يكنزه أو يُقرِضه قرضًا شرعيًّا، وقد قدمنا الفوائد التي تحمله على ترجيح الإقراض.


(١) انظر "لسان العرب" و"تاج العروس" (سرط)، وفي ضبطه أوجه. والمعنى: يأخذ الدَّين ويبتلعه، فإذا طولب للقضاء أو تقاضاه صاحبه أضرطَ به، أي عمل بفيه مثل الضراط.

<<  <   >  >>