ولما خرجوا إلى الساحل لم يفهموا كلام كدالة حتى جاء شخص كان يفهم الكلامين فسألهم عن ضلالهم فأخبروه وسألهم أهل المركب عن تحذيرهم إياهم من الجبل اللماع، فقالوا كله حيات مهلكة قتالة يراه الغريب لماعاً من الحجارة المليحة الألوان فينخدع حتى يقرب منه فتهلكه ثعابينه، فبشروهم بالسلامة وابتاعوا منهم المركب وساروا معهم إلى مدينة تغيرا قاعدة كدالة وهي حيث الطول إحدى عشرة درجة والعرض عشرون درجة، وأقاموا معهم يشربون لبن النوق ويأكلون قديد الجمال حتى اتفق رحيلهم إلى نول فخرجوا معهم. قال: وبلادهم على ما هي عليه من الصحراء والرمال قد حسن فيها قصب السكر، بسبب الأنهار الخمسة التي تنزل من الجبل اللماع وقد ذكرها بطليموس وأخبر أن النهر الأوسط يعرف بنهر الحيات، وهي فيما قارب الجبل اللماع وما اتصل به من الجبال، كثيرة أرسلها الله نقمة على أهل تلك الجهات فصيروها نعمة، إذ يفضلونها في الأكل على الدجاج. ويتصل في هذا الجزء بجبل اللماع جبل لمتونه الذي كانت فيه سلطنة الملثمين، يمتد حيث الطول خمس عشرة درجة والعرض ثلاث درجات عن خط الإقليم الثاني ويمر مشرقاً آخذاً للشمال حتى يتجاوز الإقليم الثاني. وفي غربيه قاعدتهم أزقى وطولها أربع عشرة درجة ونصف ودقائق وعرضها اثنتان وعشرون درجة. ومنها يدخل إلى صحراء اللمط التي بين هذه البلاد وبلاد السودان. وقد ذكر البكري أن هذه المدينة في الجبل وهي حصن ولها نخيل ومن هذا الحيوان اللمط تعمل درق اللمط الحصينة وتدبغ في مدينة كوكدم. وهم يقتاتون بلبن النوق. وهذه المدينة في شمال أزقى وغربيها، وبينهما ثمانية أيام. وبينها وبين الخط الذي يخرج منه الإقليم الثالث درجة ونصف وهي لمسوقه المسلمين. وجبلهم في شرقها متصل بالجبل اللماع الذي يأخذ إلى الشمال حتى يتصل بجبل كزوله. وهذا الجبل طويل من البحر المحيط إلى أن ينتهي حيث الطول اثنتا عشرة درجة والعرض مع خط الإقليم الثالث. وفي جنوبيه قاعدة كزوله، وهي مدينة تغوست. وبينها وبين خط الثالث درجة. وبينها وبين البحر المحيط كزوله. وفي غربيها مدينة لمطه نول وهي حيث الطول سبع درجات ونصف وبينها وبين خط الإقليم الثالث نصف درجة. ولها نهر كبير مشهور ينزل من جبل لمطه الذي في شرقيها على مرحلتين، وعن جنوبيها وغربيها حتى يتجاوز خط الإقليم الثالث وينزل في البحر المحيط. وبينه وبين لمطه نول ثلاث مراحل. ولا يزال البحر بعد صعوده مشرقاً كلما أخد شمالاً عن الأنهار الخمسة ينزل مغرباً حتى يكون تحت نول حيث خط الإقليم الثالث على طول ست درجات. وآخر هذا الجزء في الصحراء، حصن الملح وهو مبني على ملح معدني ومنه يأخذ المسافرون الملح إلى بلاد السودان. وبينه وبين قاعدة لمتونه أزقى سبعة أيام. وبينه وبين خط الإقليم الثاني ثلاث درجات ونصف.
الجزء الثاني: قال ابن فاطمة: في وضعه لا ماء ولا مرعى ولا عمارة، بل رمال سائلة وطرق مضللة طامسة. وأكثر ما يكون فيه اللمط وإنه صابر على العطش وهو على شبه الغزال لكنه أغلظ منه. وأول ما يلقاك من هذا الجزء صحراء سير التي يقطعها المسافرون ما بين سجلماسه وغانا وهي طويلة عريضة يكابدون فيها شدة العطش ووهج الحر. وربما هبت ريح جنوبية ونشفت المياه التي في القرب، فهم يعيدون إليها المياه التي في بطون الإبل ويجعلون على أفواهها الكمائم لئلا تأكل شيئاً، فإذا نشف الريح مياههم نحروها جملاً جملاً وشربوا ما في بطنها. وليس في هذا الجزء مدينة مذكورة غير أوداغست وسكانها أخلاط من البربر المسلمين، والرئاسة لصنهاجة. ولهذه المدينة وصاحبها نباهة في كتاب المسالك والممالك للبكري. وهي مع خط الإقليم الثاني حيث الطول اثنتان وعشرون درجة. وفي عرضها مدينة زافون وهي لسودان كفار. ولصاحبها بيت بين ملوك السودان ويمتد في هذه الصحراء جبل الكاف من شرقي لمتونه إلى أن يسامت أوداغست ثم يعرج إلى الجنوب فيبقى بينه وبين زافون خمس مراحل، وبه يهتدون في تلك الصحارى إلا أنهم لا يقربون منه لكثرة ثعابينه. وفي ظهره الشمالي جبل ميزاب وهو عالٍ وهر يعتصم به أهل واركلان إذا دهمهم جور من ذوي السلطان وبينهما أربعة أيام.