الجزء الثالث: أول ما يلقاك في غربيه من بلاد الجريد بلاد قسطلية وقاعدتها توزر ولها نخل ومحمضات، ونهرها يأتي من فوقها ويسقي بساتينها. وهي وبلادها جزائر في وسط رمال والصحارى تكتنفها وبها الكتان المفضل والنبلة والحلفا. وهي تشبه في ذلك وفي قلة المطر البلاد المصرية، وموضوعها حيث الطول ست وثلاثون درجة وست دقائق، والعرض تسع وعشرون درجة وثمان دقائق. وفي شرقيها بلاد نفزاوه وقاعدتها طره حيث الطول سبع وثلاثون درجة وعشرون دقيقة والعرض تسع وعشرون درجة، وهي أيضاً من بلاد الجريد ويجلب منها الزجاج الصافي والتفاصيل الصوفية التي تحمل إلى الإسكندرية وإلى بلاد الدروب. وتقع غدامس التي ينسب إليها الجلد المفضل حيث الطول تسع وثلاثون درجة ودقائق والعرض تسع وعشرون درجة وعشر دقائق. وهي حصون على الجادة التي تمر ببلاد الكانم، وفي شرقيها ودان وهي جزائر نخل ومياه وأولها حيث الطول إحدى وأربعون درجة والعرض سبع وعشرون درجة وخمسون دقيقة، وإليها كان يلتجئ المار في الطريق الطويلة المضنية. وفي شرقيها بلاد فزان وهي أيضاً جزائر نخل ومياه ولها مدن وعمائر أكثر من ودان، والجميع الآن في طاعة ملك الكانم. وقاعدة فزان مدينة زويلة حيث الطول ثلاث وأربعون درجة والعرض سبع وعشرون درجة وأربعون دقيقة وفي جنوبي فزان وودان مجالات أزكان وهم برابرة مسلمون أحذق خلق الله في خط الرمل، وفي جنوبه بالغرب من خط الإقليم الثالث جبل طنطه، وهو كبير يمتد من الشرق إلى الغرب نحو ست مراحل. وفي شماليه عيون تنحدر منه وتحتها مروج ينبت فيها حشيش كثير يرتاده البرابرة والعربان وتقع الحرب عليه، وفي أسفله معدن حديد جيد. وفي شمالي زويلة مدينة سرت، وهي من القواعد القديمة المذكورة في الكتب وعلى ألسن المارة، وقد خربها العرب ولم يبق فيها إلا قصور سكنها أتباعهم. وكذلك جهاتها فيها على الطريق قصور نجران العرب الذين يحرثون حولها. وموضوع هذه المدينة حيث الطول ثلاث وأربعون درجة ونصف والعرض ثلاثون درجة وهي على ساحل بحر الزقاق، وفي غربيها جون ردقية، الذي يقال له جون رديق، لادقيق. وفيما بين سرته واجدابيه يدخل البحر إلى الشمال في الإقليم الرابع وتقع منه مدينة اجدابيه حيث الطول أربع وأربعون درجة والعرض مع خط الإقليم الأول، وبينها وبين البحر أميال. ومنها إلى الفيوم مجالات عرب وبربر متفرقة وفيها صنع المعز صهاريج الماء من المطر حين عزم على فتح مصر من القيروان إذ الطريق عليها أقصر وعلى الساحل دورة. وعلى جنوبي الطريق إلى الإسكندرية أوجله وهي جزيرة في تلك الرمال وعمارة في تلك الصحارى فيها ماء ونخل وهي تحت خفارة هيت، وهي حيث الطول ثمان وأربعون درجة واثنتان وخمسون دقيقة وفي سمت عرضها مدينة سانتيرية حيث الطول خمس وأربعون درجة وستون دقيقة، وهي أيضاً جزيرة نخل ومياه في صحارى، والجبال محدقة بها والعربان مطلون على جهاتها ويكفهم عنها أنها من بلاد السلطنة المصرية. وفيها رمان يكون في أوله مراً ثم يكون حلواً إذا طاب. وفي أرضها شجرات من النخل وحب اللوز يجلب إلى الإسكندرية فيتعجب الناظرون منه، وهي مهلكة بالوباء لأهلها فكيف بالغرباء. وبين البحر وبينها حيث العقبة الصغيرة ثمان مراحل. وفي شرقيها وجنوبيها الواحات الشمالية وهي جزائر نخل ومياه على نوع ما تقدم. ويجلب منها الشب والزاج. وفي شماليها بلاد الفيوم ولا يدخل إليها إلا من الصحراء، والجبل دائر بها يمتد بينها وبين بحيرتها. وقطر ذلك كله نحو يوم. وتقع مدينتها التي يحل بها الوالي حيث الطول ثلاث وخمسون درجة والعرض ثمان وعشرون درجة وثمان دقائق. ونهر يوسف عليه السلام يقسمها إلى نصفين ويمر بها حتى ينصب في البحيرة المشهورة بكثرة الطير والسمك. ويقال أن يوسف عليه السلام دبر الفيوم ووضع فيها على ذلك الماء الذي أخرجه من النيل (..) على عدد أيام السنة. وهي كثيرة الغلات والسكر والكتان والفواكه. ويقع في آخر هذا الجزء قاعدة الديار المصرية وهي القاهرة التي بناها جوهر، غلام المعز العبيدي، في شرقي النيل وفي جنوبيها على ميل من مدينة الفسطاط التي اختطها عمرو بن العاص حيث الطول ثلاث وخمسون درجة وخمسون دقيقة والعرض تسع وعشرون درجة وخمس وخمسون دقيقة.