ثم أنكم ذكرتم تهوشكم مما يزوره على الأكراد. ويزودون من يذيعه بين أهل بغداد. وطلبتم شرح الحال. ليسكن ما عرض لكم من مزيد الزلزال. يا مولاي قسماً. برافع السماء. وباسط الأرض على الماء. أني منذ أصبحت طالعاً من بروج الزوراء. ومميطاً علائقي منها وممتطياً غارب الوجناء. لم أر ممن رآني سوى أنواع الاحترام. ولم يسؤني من وجوه البلاد ورؤوس العباد. إلا كثرة تقبيل الأكف والأقدام. وما جئت بلداً إلا اشتد عدو علمائها إلي. فأحاطوا بي ولا عدو يعد الحسنة سيئة علي. فكم مرتوٍ مني. وكم وكم راوٍ عني. ولا أكاد أسمع في المدارس والمغاني. سوى قال الآلوسي صاحب روح المعاني. حتى كان يخيل أن لست الذي كان ببغداد. إذ الفرق بين الحالين كالفرق بين ريش الطواويس وشوك القتاد. بل صرت أقول كما يقول الشيخ الأكبر قدس سره بتجدد الجواهر. مع أني في الزمان الماضي لم أكن قائلاً بتجدد الأعراض وإن قال به كثير من الأكابر. ومال ذهني السيال من غير اضطراب. إلى صحة الاستدلال على ذلك بقوله تعالى) وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب (. وزال عنه الالتباس إذ نظر ببصر جديد. فرأى قوة الاستناد هنالك إلى قوله سبحانه وتعالى) بل هم في لبسٍ من خلق جديد (. وكاد يدعني اختلاف الحال ذا الودعات. لولا أن من الله تعالى علي ببركة القرآن المجيد بالثبات. وتمنيت أن لو كنت خرجت في شرخ الشباب. لأنال إذ ذاك شرح الصدر الذي يعجز المتن عن رسم بعضه في حواشي كتاب. إلا أن الأمور مرهونة بأوقاتها. وحبلى الليالي لا تلد إلا بعد استكمال ساعاتها. ولما حللت أزرار ثياب السفر في إسلامبول. وزررت أردية الإقامة فيها إلى أن يتفضل الله تعالى بحصول المأمول. رأيت من بديع التفات حضرات الوكلاء الفخام. ما لم يكن لأحدٍ قبلي من أهل مدينة السلام. لا سيما حضرة الصدر الأعظم. الذي أذعنت بأنه رئيس العقلاء قلوب الأمم. وحضرة مولاي شيخ الإسلام العارف دقائق الحكم. بما نفث في روعه ملك الإلهام. فوالذي على العرش استوى. وعلم السر والنجوى. أني رأيت منهما ما شرح صدري. بل فرق الفرق مما يقتضيه قدري.
) نعم (كان ما كان من شيخ الإسلام أول الأمر. مما هو كغمام صيف لاح في أطراف الأفق ومر. وبيان سبب ذلك يطول. والقلم لا مللت من حبيب ملول. وأما بقية الكبار من رجال الدولة. وصدور قضاة الدين والملة. والعلماء المدرسون. والكرام الكاتبون. فكنت بينهم المذيق المرجب. والغرنيق المحبب. فلا تكاد تمر ليلة إلا وهي حالية بدعوة. زاهرة بجمعية مع أفرادٍ هم وعيشك صفوة الصفوة. مع منادمات أرق من النسيم. ومداعبات ألذ من التسنيم. ولولا حبكم ما ذكرت العراق. ولا التفت بقلبي إليه أو تلتف الساق بالساق. إذ طالما تجرعت فيه كؤوس الغصص. ورجعت النوح ولكن كحمامة في قفص. وهيهات أن يستطيع ذهني السيال أن يجري من أنابيب الأقلام ما جرى. على أنك يا مولاي عارف بتفصيل ما كساني الدهر هناك حتى نبذني من كان يونس قلبي بالعراء. فليبتلع أدهم القلم ريقه الأسود. وليسترح من العدو في تعداد تلك الحوادث السود وليبق أبيض القرطاس على نقائه الذي تعهد. وليسلم خدم من مسيس لهب التأوه مما فعل بي أصحاب الأخدود. ولأرجع إلى إتمام الجواب. عما سلف من الخطاب.