وقد كانت عندي ولطيف محاضرتك حظيرة قدس. أو روضة غناء خطرت بها خود في ثوبي غنج وأنس. فلما سمعت ما قال فيها الوالد الشهم الغيور. ومن كان يخشى أن يذكرها لديه بسوء الليث الهصور. صارت في عيني أقل من تبنة. في لبنة. وأذل من قلامة. في قمامة. فلو استطعت لبعدت عنها إلى جابلقا أو جابرصا. وإلى ما هو أبعد من ذلك وأقصى ثم أقصى. وقد عزمت على الإقامة في دار الخلافة. وقطع علائق القلب عن أرجاء الكرخ والرصافة. إلا أنه حال بيني وبين ذلك حلول مولانا الشهم وأمثالكم فيها. والأمل بلطف الله تعالى أنها عن قريبٍ تراها النفس طبق أمانيها. فكم لله تعالى شأنه من نفحات. وكم جعل سبحانه للدهر القاطع للأنفاس تنفسات. ومع ذا هي اليوم على علاتها أحسن من كثير من الديار وألطف. ومن طاف البلاد وقف على صحة ما أقول وقال به ولم يتوقف. ولذا أذب عن شجرها الطير وإن بلوت المر من ثمره. ولا أودان يمس ساكنها ضير وإن تجرعت منه ما عندك حقيقة خبره.
وما أنا بالداعي لعزة بالردى ... ولا شامت إن قيل عزة ذلت
ويا مولانا وصلت أيضاً تشاطير كم بيتي في الصدر الأعظم. ومن أقعد الصدور على الإعجاز بقوة رأيه السديد الأقوم. فرأيتها قد ارتضعت شطر البلاغة. وهكذا كل شعر لكم لا يستطيع مفلق وأن إنفاق أن يبلغ بلاغة. لا زالت آثاركم طراز الزمان. ولا برحت أشعاركم سلوة الغريب عن سلوى فكاهة الإخوان في الأوطان. أفندم.
) وكتبت أيضاً كتاباً (لذي الأدب العبقري. حضرة عبد الباقي أفندي العمري. إلا أنه اغتالته مني بأيدي غفلتي الغوائل. واختطفته من يد حافظتي عقبان البلابل.
) نعم (ظفرت بما كتبت له في ذيل كتاب السيد عبد الغفار. وهو بالنسبة إلى ما ذهب دندنة نخلة بالنسبة إلى نغمة هزار.) ونصه (: وأشكو ألم فراقي. لحضرة الأفندي الفاروقي عبد الباقي. وأعرض لديه أنه قد واصل دره النظيم. الحديث منه والقديم. والكل قد قدم يوم قدم. لدى شيخ الإسلام وولي النعم. فاستحسن جميع ذلك. وشاع الكل في هاتيك الممالك. لا سيما قوله قلم القضاء بمداد محبرة الدجا البيتين. فإنه ما من قلم إلا وسما بالفخر بكتابتهما على الفرقدين. لكن يا سيدي معرفة مزايا كلام العرب على الوجه التام. لم نجدها وحرمة العارفين إلا عند عارف الحكم شيخ الإسلام. فهو اليوم عارف الديار الرومية. وعالمها في جميع العلوم العقلية والنقلية. وله حظ وافر من علم الأدب. فكأنه سلمه الله تعالى أجل علماء العرب. فلله تعالى دره من عالم همام. وحبر قمقام. وهكذا فليكن شيخ الإسلام. وبلغوا دعاءنا لحبيبي الواعظ الواعي. ومن هو لحقوق الإخاء الحافظ المراعي. ولكافة الأحباب. لا سيما بني الآداب.) وكتب لي (حضرة الفاروق جواب كتاب. أظنه الذي ضاع مني في هاتيك الرحاب.) ونصه (:
قال العراق وقد رحلت مودعاً ... فاسمع بحقك ما العراق يقول
بغداد لي خد ودجلة دمعةٌ ... أسفاً عليك إلى المعاد تسيل
قد كنت حلياً فاسترد معاره ... وكذاك أحوال الزمان تحول
للشمس من أوج السماء إذا هوت ... بدل ومالكٍ لأعدمت بديل