يناقض الإيجاب الجزئي ويفهم منه حكم السلب الكلي فإنهم إذا لم يعتزلوهم أصلاً ولم يلقوا السلم ولم يكفوا أيديهم فأخذهم وقتلهم بالطريق الأولى وإذا أحطت خبراً بما سمعت من المقال علمت اندفاع ما قاله ابن الكمال وهو أن قوله تعالى ويكفوا إن كان معطوفاً على المنفي فأين الكف حتى يقال فإن مجرد الكف لا يوجب نفي التعرض وإن كان معطوفاً على النفي يلزم التناقض انتهى واندفاعه على كل من الشقين كما لا يخفى على ذي عينين ثم ينبغي أن يعلم أن الاعتزال وعدم القتال وعدم التعرض وكف الأيدي كلها شيء واحد ويشير إليه قول المصنف بأن لم يتعرضوا لكم فعطف فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم من قبيل عطف المفصل على المجمل ويؤيده الفاء وكذا العطف في قوله تعالى ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم في المآل على التقدير الثاني وأما على التقدير الأول فمن قبيل عطف الخاص على العام ويمكن أن يكون الاعتزال أعم من عدم القتال فالعطف من القبيل الثاني وإن يعلم أن قول المصنف وينبذوا إليكم العهد تفسير لقوله تعالى ويلقوا إليكم السلم على أن يتوجه النفي إليهما ويؤيده السياق والسباق ودأب المصنف والواو وإليكم كما لا يخفى وليس بإضراب ولا ترق لآباء المذكورات عن ذلك. وأيضاً إذا لم يوجد إلقاء السلم والعهد فكيف يتصور نقضه وإبطاله على أنه يلزم على تقدير الحمل عليهما ثبوت الواسطة ويبقى حكمها مجهولاً ولا يفهم بالطريق الأولى فتأمل جميع ذلك. والله تعالى الهادي لأوضح المسالك. هذا خلاصة ما في الرسالة وللبحث في بعض ما ذكره مجال كما لا يخفى على فحول الرجال لكن علماء آمد قنعوا وفرحوا بما سمعوا وفي الآية الجليلة كلام تستحسنه إفهام ذوي الأفهام فارجع إلى تفسيرنا روح المعاني تجد من ذاك ما هو ألذ من رنات المثاني) ولقد سئلت (أيضاً عن مسائل يطول الكلام بذكرها من غير طائل) وأقمت (نيفاً وعشرين يوماً في آمد السوداء بعيشة خضراء ونعمة بيضاء بين قوم يتوددون ولإقامتي فيهم إلى الأبد يودون بيد أني ما شمت فيهم من ذاق حلاوة كلام العرب ولا شممت من أردان شمائلهم نفحة علم الأدب ولا وجدت عندهم كتباً أدبية أرتع في حدائقها وأستمتع ما دمت بين ظهرانيهم بصافيها ورائقها وأسرح طرف الطرف في طرفها وأتلذذ بموائد مبسوطها وفواكه نتفها فبقي طائر قلبي في قفص الحيرة حبيساً وغدا لي يوم الوحشة في عش الدهشة أنيساً: