للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكأن النرجس الغض بها ... أعين العين وما فيهن غمض

وجملة أمرها أنها أنموذج الجنة بلامين. فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ العين. وكم فيها من حبر راقت حبره. ومن إمام توجت جباه الإسلام سبره. آثار علومهم على صفحات الدهر مكتوبة. وفضائلهم في محاسن الدين والدنيا محسوبة. وإلى كل قطر مجلوبة. ولكل قلب محبوبة. فما من متين علم وقديم رأي إلا ومنهم مشرقه. ومن بروجهم مطلعة. ولا من معين فضل وقوي فهم إلا وعندهم مغربه. وإليهم منزعه. وما تشاءووه من كرم أخلاق بلا اختلاق إلا وجدته فيهم. ولا جلالة أعراق في طيب أعراق إلا اجتليته من معانيهم. أطفالهم رجال. وشبانهم أبطال. ومشايخهم أبدال. شواهد مناقبهم باهرة ودلائل مجدهم ظاهرة.

فمن حاتم في جوده وابن مامة ... ومن أحنف إن عد حلم ومن سعد

وأما الثغر وما أدراك ما الثغر. فذاك الذي تنشق من حلاوة لمى محاسن ثناياه مرارة الخمر. وقد دلع لسانه بالافتخار. فجرى مطلق عنان الفخر في كل مضمار. وتلاسن البحران بلا مرا. فألقم البحر الأسود حجرا بحر مرمرا. وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً. وملكاً مقيماً. وملكاً عظيماً. فالقصور هناك لها الترفع عن القصور سمه. فوحسنها لقد غدت فلفلة الغيرة منها في أست قصور أرض السمسمة. فإن الفرق بين هذه وتلك جبال. فهذه مما تلتذ به الحواس العشر وليس في تلك حظ لسوى الخيال. وقد غدت تسحل ذيول الفخر بأفصح لسان على ساحلي خليج يزري بالمجرة. وتنقل لرائيها أحاديث غرف الجنان فتملي إذ تملي الجنان بأنواع المسرة. وأنها على ما أضمرت من دقائق الحسن في سرائرها. ليرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها. وقد غلت مقداراً. وعلت مناراً. وشمخت بأنفها حتى ظن أن لها عند الشعري العبور ثاراً. وقد اتصلت بها من ورائها جنان. هي فوق ما تتخيله أذهان الإمكان. وأن مبتدأ أمرها لينادي ليس الخبر كالعيان. وفي كل منها بركة مفعمة من الحسن ببركات. ولها خد كاللجين تحلى بعذار من انعكاس النبات. وحول كل بركة وحياتك روض نضر. وما من روضٍ إلا ويلتقي فيه ماء الحيوة والخضر. وامتداد هاتيك القصور ست ساعات. على ما حدثني به بعض الرواة الثقات. وأسود غابات) إسلامبول (وبدور بروجها التي ليس لها أفول. ينتقلون إليها إذا بلغت الشمس نصف برج الثور. ولهم إذا بلغت نصف برج العقرب رجوع بعد الإقامة وجور بعد الكور. وفي كلا الأمرين قد يتقدمون وقد يتأخرون. وربما تجد فيها قوماً مقيمين في الفصول الأربعة لا يرتحلون. قد اتخذوها منزلاً. واستوطنوها ولم يبلغوا عنها حولاً. وعرض الخليج هناك نحو جسر الزوراء أربع مرات. وأنه يزيد على ذلك وينقص في بعض الجهات. والزوارق فيه تزيد على اثني عشر ألفاً. وهي مشحونة لطفاً ومملوءة ظرفاً. وأنها تحكى فيها الدعاميس. كما أن زوارقه السلطانية تشبه الطواويس. وفيه من السفن النارية عدة. قد اتخذت للعبور عدة. وهي من حيث البوائق. أأمن بكثير من الزوارق. وفيه من الحيتان اليونسية كثير. ويتحرج من هناك من أكلها كما يتحرج المسلم من أكل الخنزير. وربما يظنها الظان. أنها خنازير الحيتان. وهي تتطارد جهاراً. ليلاً ونهاراً. فماذا عسى تقول في بلدة لا يزال يضحك ثغرها على جميع البلاد. ولا يبرح في العمارة أمرها كل يوم في ازدياد. ويوشك أن تكون جنة يقضى منها العجب. لولا ما ابتليت به من الحريق وقمل الخشب. ولكم نمت فيها من القمل على مثل الأسنة. واعترتني من محن الدهشة من حريقها أعظم محنة. وكلا الأمرين في الساحل قليل. وفي الأرض قطع متجاورات كما نطق به التنزيل. ثم أنها لكثرة الخلق فيها. واختلاف صنوف أهاليها. لا تخلو عمن أو ألقى في البحر المحيط لنجسه. أو كان جزءاً من العديد الغير المتناهي لبخسه. وفيها من النسوان. ما يخيل أنهن حور الجنان. وكلامهن لو تجسد لأزري بالدر. ولولا الأدب لقلت هو حر بأن ينكح باير الفكر. وفيهن من عادات نساء الأعراب. أنهن يبرزن إلى الأزقة بمجرد نقاب. إلا أنه ألطف من شمائلهن. وأدعى للصبوة بهن من تمايلهن. فكأنه نسيم هم أن يتجسد. فعارضه توقد وجنة الخد. وربما يقول ظمآن النظر إذ أتى منهل مياه خدودهن وورد. الله أكبر كيف نسج الريح على الماء زرد. وربما ينشد. إذا ذاق نظره خمر خدها المتورد:

رق الزجاج ورقت الخمر ... فتشاكلا وتشابه الأمر

<<  <   >  >>