وهو الذي سعى في وضع التنظيمات. وجهد في رفع القتل بأهون الجنايات. وغل أيدي ظلمة الحكام. عن أن تختضب لمجرد النفسانية بنفوس الإسلام. ومن خلص ذهنه عن كدر التعصب ودق. يعلم أن فوات قتل مائة نفس بحق أهون من قتل مسلم محترم بغير حق. وأي شيء أعظم من هدم بنية الله تعالى بانيها. ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها. فجزاه الله تعالى بما رفع خيراً. ورفع عنه في الدارين ضيراً. وقد ضمته الصدارة العظمى إلى صدرها ثلاث مرات. وما كان انفصاله عنها إلا لإحدى الحادثات. ومن العجب أنها قبل أن تخرج من العدة ترجع إليه. وتقبل على الكرة منه يديه. لأنها مغرمة به. من بين صحبه:
فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها
وقد ولد حفظه الله تعالى في العقد الثاني من المائة الثالثة من الألف الثانية من الهجرة النبوية. على صاحبها أفضل الصوة وأكمل التحية في البكرة والعشية. ولم يزل ينتقل في المناصب حتى صار صدراً. وعلا في الخافقين صيتاً وقدراً. وغدا محبوباً عند البرية. حتى عند الدول الأجنبية أسأل الله تعالى أن يديم وجوده. ويسبغ عليه كرمه وجوده. ولما وصل التفسير إليه. استفسر عن شأنه مما بين دفتيه. فنادته مباني عبارته. وناجته معاني إشارته. بما أجله لأجله. وأحله بسببه في لائق محله. حتى قال هذا أثر تفتخر به الدولة. حيث فك من مقفل المعاني قفله. وكان المجلس غاصاً بالرجال. فكل منهم صدق بما قال. ثم نظر في ديباجته. فرأى مدح حضرته. فقال يلوح لي فيه عيب واحد. ففطنت بالبداهة لما هو قاصد. فقلت نعم. ومن يقدر أن يحيط بمحاسن مولى النعم.
كأنها ويراع الواصفين لها ... بحر مقيس إلى منقار عصفور
فاستغفر مولاه. وأظهر من هضم النفس ما يقتضيه علاه. ثم قال اكتب مذكرة لبيان مرامك. ومعاذ الله تعالى أن يكون منا قصور في إكرامك. فدعوت له. وشكرت فضله. ثم قمت بأنواع المسرات. فقام وشيعني بخطوات. فلما رأيته بهذه الحال. ورأيت مستشاره على ما مر وحلا من الكمال. قلت بين قوم أمجاد. يليق بهذا الصدر هذا الفؤاد. فشاع هذا المضمون. واستظرفه السامعون. وضمنه كثيرون. منهم جواد المعارف الذي لا يرجى به لحاق. وبدر العواطف الذي لا يخشى عليه محاق. ذو الخلق المعطر الندي. معلم أبناء جودت أفندي. فقال. وأحسن المقال:
جاء فؤاد مستشاراً لمن ... أضحى رشيد الرأي صدر الرشاد
جاء بحق المدعي قائل ... لاق لهذا الصدر هذا الفؤاد
ومنهم صابى زمانه بطرس كرامه. وقد قال لكنه لم ينل بذاك حباً ولإكرامه:
يا حبذا الصدر الرشيد الذي ... حازت به الأيام أبهى رشاد
كذا فؤاد مستشاراً له ... لاق لهذا الصدر هذا الفؤاد
ولما سمعت أنا ذلك. قلت وإن لم أعد فيمن هنالك:
ولما نظرت إلى المستشار ... وشمت عليه مدار الأمور
هتفت أنادي بقول صحيح ... عليه يلوح من الصدق نور
يليق بذا الصدر هذا الفؤاد ... وهل غيره لائق للصدور
وقال آية الله تعالى الكبرى. وسورة كتابه الذي بأفواه العقول يثري ذو الفضل الجليل الجلي. حضرة عبد الباقي العمري الموصلي:
فؤاد لصدر الملك لا زال لائقاً ... وهل لائق للصدر غير فؤاده
فذاك وذا جسم وروح تلازما ... لخدمة ظل الله بين عباده
ثم أنه ذهب بي إلى ناد ندى. هو نادي التشريفاتي. واسمه محرر) علي بك (أو) بهجت أفندي (فقام قدامي. وبالغ في احترامي. وبعد أداء رسوم التحية. والارتواء من شرب القهوة البنية. قال يا مولانا عند من تختار أن تكون ضيفاً. ويكون لك ما دمت مقيماً عنده خادماً وألفاً ففكرت في نفسي أن الضيافة ثقيلة. ومدة الإقامة فيما أظن طويلة. وأنها سهلة. في دار ضيافة الدولة. فاخترت دار الضيافة. المعدة في كرسي الخلافة. فقال الأمر إليك. وما نريد أن نشق عليك. فنادى شاباً أمرد. يزري بالغصن إذا تأود. لكنه إذا تكلم تلجلج لسانه. فأشكل على السامع بيانه. فذكرني في ذلك المقام الكريم. قول الأديب ابن تميم:
عابوا التلجلج في لسان معذبي ... فأجبتهم للصب فيه بيان
إن الذي ينشي الحديث لسانه ... ولسانه من ريقه سكران