فقال اذهب بفلان إلى دار الضيافة. وأوص مأموريها أن لا يتخلفوا عن أمره أو يرتكبوا خلافه. فوحرمة إبراهيم الخليل. ما دخلها ضيف مثله جليل. فقال كلنا نتشرف بخدمته. ومعاذ الله تعالى أن نرتكب خلاف طبيعته. فقمت معه. وقد حزت السرور أجمعه. فسألته في أثناء الطريق عن اسمه. وعن خدمته في دار الضيافة ورسمه. فتلجلج لسانه ولم يكد يبدي. فقال بعض الرفاق هو فائز بك أفندي. وأنه أحد الكتبة ذوي الظرافة. وأن أباه طاهر أفندي قيم دار الضيافة. فحمدت ربي. وزاد بالتفاءل باسمه سرور قلبي. فلما دخلت المسافر خانه. رأيتها لمدام المسار خانه. وريثما استقر بي المقام. جائني القيم وابنه الأكبر شوكت بك أفندي للسلام. ورأيتهما قد هيأ جميع ما يراد. حتى السائس والجواد. وعندما دخل الليل. طلى قمل الخشب جسمي عندما بأيدي الويل. ولم يزل يخلط دمي ولحمي خلطاً. إلى أن تبدى الصبح كاللمة الشمطا. فسألت صحبي هل حل بكم من قمل الخشب ما حل بي. فقالوا إنه رعانا. وفي آخر الليل أتانا.
ألم بنا والليل أشمط والكرى ... أصم وأحداق الكواكب حول
فلم أدر أكان تسلط ذلك على من بينهم لسالف جريمة. أم لخاصة أودعها الله تعالى في مزاج طبيعتي السقيمة. وفي اليوم الثاني عين لمصارفي في كل شهر ثلاثة آلاف قرش صاغ إسلامبول. فكان القيم يصرف علي أقل من ثلثها ويأكل باقيها وهكذا يفعل بما عين لسائر النزول. فقاتله الله تعالى ما أضيق عينه. وأوسع كذبه ومينه. وما أقل حياءه. وأكثر اجتراءه. وفي اليوم الثالث كتبت المذكرة. وقدمتها لهاتيك الحضرة المنورة.) وهي (بتوفيق الله عز وجل. وبركة حبيبه الرسول الأجل. لم أزل منذ درجت متدرجاً في خدمة الملة والدولة. فدرست من غير حد العلوم الرسمية غرباء بلدي وأهله. ورددت ببناني وبياني محالفي السنة. وأوردت بتقريري وتحريري مخالفي البدعة مضائق المحنة. وألفت لتأليف سرح القلوب بعون الملك الديان. شرح خلاصة البرهان في إطاعة السلطان. ونشرت مطوى النصيحة في أكناف العراق. وشمرت عن ذراعي في كف الأكف عن غمسها في غسلين الشقاء والشقاق. ولم تمض على الإعصار. حتى خدمت القرآن الكريم بتفسير تسعة أسفار. وقد كان إذ ذاك بالي صافياً. ورداء عيشي صافياً. بما قلدته قبل تقليد الإفتاء. من مرجان صدقات الدولة العلية لا زالت محاسنها محفوظة من سوء القضاء. ثم جرى ما جرى. بتقدير رب الآخرة والأولى. فتركت علي أنقى من الراحة. أتمنى لو أخذ الموت بيدي لعلي أجدبه راحه. فودعت أطفالاً لي كأفراخ القطا. وقد غدا بنا ألم الفراق لكل منهم ومني وطاءاً وغطاءاً وهرولت للثم مواطئ حضرة أمير المؤمنين. لا زال مؤبداً ومؤيداً إلى يوم الدين. فرأيت ما لم كد يخطر ببال. أو يخطو إلى حجرة حجرٍ أو خيال. من انتظام أمر الدولة. والاهتمام بتمييز حال خدمة الملة. فها أنا اليوم أرجو أن أعامل بما يقتضيه شأن الدولة العلية. مما يصدح ويصدع بتعظيم شأن القرآن العظيم بين الأمة المحمدية. فإني رجل من آل الرسول. وفدت من أقصى البلاد إلى ساحة ظل الله تعالى وبابه لكل مأمول. وقد خدمت حسب الطاقة ملتي ودولتي. راجياً بعد ثواب الله تعالى ترفيه عيشي وترفيع رتبتي. لأصرف ما بقى من نقد عمري في الخدمة. وجلب الدعوات الخيرية للدولة المجيدة المجيدية بأكمل همة. والأمر لمن له الأمر. في السر والجهر انتهى.
وكتبت على حدة في قرطاس. بيتين مضمناً لهما شطراً من شعر أبي فراس. وهما:
قصدت من الزوراء صدراً معظماً ... وقد سامني ضر وقد سألني دهر
فقلت لنفسي والرجاء موفر ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر.
وقد سارتا في كل واد. وطارتا إلى بغداد. فشطرهما ذو الأدب العبقري. عبد الباقي أفندي العمري فقال:
قصدت من الزوراء صدراً معظماً ... وما البحر إلا ما حوى ذلك الصدر
وذلك لما ضامني زمني عني ... وقد سامني ضر وقد سألني دهر
فقلت لنفسي والرجاء موفر ... لك الخير يا نفسي لقد حصل الوفر
وصارت بنا أولى مقالة غيرنا ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر
وشطره أيضاً من أخرس مصاقع الشعراء. وأنطق بالثناء عليه كواكب الجوزاء. ذو النسب الذي هو من كل عيب خلي. السيد عبد الغفار الموصل فقال: