) ولما وصلت (المذكرة والبيتان. إلى حضرة الصدر الأعظم السامي علي كيوان. وجه المذكرة إلى مجلس الشورى المعروف بمجلس الأحكام. وأمر بتحرير تذكرة في أمري لحضرة شيخ الإسلام. فحررت تذكرة من قبله لذلك المولى الخطير. وأرسلت لحضرته المنورة ومعها أسفار التفسير. فغم على هلال الجواب شهراً. فبقيت مغموماً لا أسمع شيء من أموري ذكراً. وأنا في تلك الأيام. لم أزل أتردد بلا تردد إلى حضرة شيخ الإسلام. فكان إنصافه يستعطفه علي. ويأخذ بعنان عنايته إلي. فلكم أطار بازي ذهني في جو سماء أبحاث. فعاد إليه بعنقاء غرائب ونسور عجائب مترفعاً عن اصطياد بغاث. ولكم أثار جواد فكري في ميادين مباحث. فأتاه بقصب سبق لم يصل إليه سوانا ثالث. وأكد ذلك الاستعطاف. ما انضم إليه من استعطاف بعض الأجلة الأشراف. وقد كثر مستعطفوه على من ألافه. ولم أر مستعطفاً إياه مثل إنصافه. وأول من عام في لجج الاستعطاف. وقام بترتيب حجج استحقاقي الألطاف. فخر الكتبة والطلبة. ومن عدت صحف أخلاقه مهذبة. عين أحبابي.) راشد أفندي (العينتابي. وهو ممن جاء في معية المرحوم) علي رضا باشا (إلى بغداد. وقد صار مكتوبياً وبقي فيها نحو سنة ثم عاد. وهو اليوم مميز بين كتبة الباب العالي. ومميز عليهم بقلائد أدبه الحالي. وقد جسره على ذلك فأقدم. علمه بفتوة حضرة ولي النعم. وكان ما كان من نصرته. قبل أن يتضح لسواد العين بياض الطريق إلى لثم عتبة محاسن طلعته. فلله تعالى دره من أخ. وحبيب انتصر قبل أن يستصرخ. وممن احتسب إزالة ما يزيد على النصف مما جلب علي من الافتراء. وعرض بنية البيع لدى حضرة شيخ الإسلام وولي النعماء. حضرة من لا يجارى في جده. ولا يبارى في قوة سعده. المنضد أمتعة حسن المعاملة في حجرة وجوده. والمشتري بضائع الأثنية الفاضلة بجواهر لسانه ونقوده. من لم يزل في ازدياد سعده.) عبد القادر باشا (الشهير بزياده زاده. وعظيم شهرته. ويغني عن ترجمته. وقد شمر سلمه الله تعالى عن ساق الاجتهاد. وسعى في الذب عني غاية السعي رعايةً لحقوق صداقة مرت في بغداد. وكان هو أعز من الولد المطيع. عند حضرة شيخ الإسلام. وكان كلامه أحب إليه من أزهار الربيع. إذا توجتها لآلئ حب الغمام. فلو فاجأه بوقوع المستحيل العقلي يصدقه. وإذا ناجاه بتوقيع الأمر الكلي يحققه. كل ذلك لقوة فراسته. ورصانة ديانته.) وبالجملة (لما كثر الاستعطاف في تلك الأيام. ثنى على عنان الشفقة والعناية شيخ الإسلام. وصار جنبه ألين من الخز. وعاد قلبه أصفى من عين الوز. وضمن جواب التذكرة على ما سمعت من مطلع خبير. كلاماً يشرح به فضلي ويرشح منه مدح أسفاراً لتفسيره. حتى أنه قال فيه كلما بالغتم في إكرام هذا الرجل. فهو بالنسبة إلى ما ينبغي له قل من جل. لكنه تحاشى. عن أن يعين معاشا. كأنه خشي عدم نفاد قوله عند ناظر المالية) نافذ باشا (. حيث أنه كان هنالك. خازناً أشد من مالك. لا يبتسم بوجه من الوجوه. ولا يرجع إلا بخيبة من يرجوه. يقول لفقراء العلماء. لا رزق لكم في بيت المال ورزقكم في السماء. ويقابل ذوي الفقر الأسود من المقعدين ببيض الأذى وزرقه. ويتلو عليهم قول رب العالمين) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه (. ومن سعى إليه من غرباء الغبراء. عدا عليه بقول بعض الشعراء:
جرى قلم القضاء بما يكون ... فسيان التحرك والسكون
جنون منك أن تسعى لرزق ... ويرزق في غشاوته الجنين
وكم وقع على عرضحال قديم. إنما الرزق على الله الكريم. وكم قال لكتابه. وهم أن يكتبه على بابه. قولاً لا يدفع البلا. وقول نعم يزيل النعم. وقد أخذ على ما سمعت عهداً من حضرة السلطان. أن لا يغضب عليه إن لم ينفذ أمره بما عز وهان. فكان يعصي أمر سلطانه. ويضيع في كل أمر هوى شيطانه. ومع هذا هو من بيت المال أسرق من برجان. وبين أجلة الرجال أحمق من أبي غبشان. ولذا لم ينص شيخ الإسلام على مقدار معاشي ولم يلتفت إليه. ولقد كان سلمه الله تعالى يخاف على اعتباره من هواء يهب عليه. وعندما حققت الحال. ووقفت على ما لم يمر لي ببال. رفعت أكف الابتهال. وشكوت إلى ربي سبحانه ما لا يقال:
إني لأشكو أموراً لا أعينها ... ليبرأ الناس من عذري ومن عذلي
كالشمع يبكي ولا يدري أعبرته ... من صحبة النار أم من فرقة العسل