ولما وصل الجواب من حضرة شيخ الإسلام. قدم حسب العادة في مثله إلى مجلس الأحكام. فجعل أمر معاشي بينهم شورى. ومن أهل المدينة من لا يحب أن يصنعوا لسروري سوراً. فحسن لهم حضرة) أحمد بك (نجيب باشا زاده. وكان أحد مشاهير أعضاء المجلس بالفكرة الوقادة. أن يرجعوا لي نصف غلة وقف مرجان. أجرى الله تعالى عليه وظائف البر والإحسان. وأنه ليعلم أنها بأسرها لم تكن تفي. بإذهاب ثلث غلة مصرفي. وإن من يتصحب هوله. لا حق له حسب شرط الواقف في تلك الغلة. ومن علم حاله أصاخ إلى ما تقول جدران المدرسة. لم يبق له في صحة ما قلت وحرمه العلم الشريف وسوسة. وإنما لم يذكر حضرة المشار إليه حقيقة الحال. مع وقوفه عليها من بين أولئك الرجال. لأن نفاق أهل العراق على غبر جنانه. وباطلهم الذي نسبوه إلى غير عن قول الحق لسانه. وقد كنت في العراق أحظى أهله. بجزيل فضله. وأقرب أهل ناديه. إلى جميل أياديه. فلعن الله قوماً حالوا بنفاقهم بيني وبين هذا النجيب. والشهم الذي حاز من سهام المجد المعلى والرقيب. وماذا أقول. وحل عصام الكلام يستدعي عقد فصول. وعلى العلات. خطيئتي في رقاب أبناء المومسات. ولما حسن ما حسن حضرة المشار إليه. استقر رأي أهل المجلس جميعاً عليه. فلخصوا ذلك للمآبين وحصلوا فيه إرادة. وحرروا بعد مضي نحو شهرين فرماناً حسب العادة. وقد حكى لي جميع ما كان. متفضلاً بإعطاء الفرمان. حضرة مفتي الأنام. وشيخ مشايخ الإسلام. فقلت يا سيدي وجلالة قدرك الخطير. إن باعي الطويل عن ذراع ابن زند في أمر الكسب قصير. وأنه ليبتلع الفرات ودجلة. وما يرى على شفتيه بلة. فأخشى أن يبتلعني ونصفي. ويشرب شربة ماء على ملكي ووقفي. فاعفني عن شراكته الخاسرة. ووجهوا بدل معاشي ما شئتم نحو الخزينة العامرة. فقال تكلم. مع حضرة الصدر الأعظم. فذهبت إلى حضرة من افترع بلقيس الشيم. وارتفع قدراً على بساط الكرم. سر عسكر الإسلام سابقاً. وأجل أعضائه مجلس الأحكام لا حقاً. حضرة الوزير الخطير. والمشير الكبير. سليمان باشا. يسر الله تعالى له من جفان جفون الأنظار المجيدية ماشا. وقلما يوجد مثل هذا الوزير في مكارم الأخلاق. وجبر كسر قلوب العباد على اختلاف أصنافهم حسبما يطاق. وهو اليوم والي حلب. وقد حلب لأهلها من در فضله ما حلب. وجلب عليهم من در عدله ما جلب. وله بي بهي احتفال. كما لي به قوي اختصاص من بين أكثر الرجال. فعرضت عليه الأمر بلاً بلا. وشرحت له الحال فصلاً فصلا. وطلبت منه أن حول معاشي نحو الخزنة. وذكرت له أن لي في ذلك منحة عرية عن كل محنة. فقال سأسعى في ذلك جهدي. وأجد في مصلحتك غاية جهدي. فرأيته في اليوم الثاني جنب الصدر يشاوره فغلب على ظني أنه في أمري يحاوره. فالتفت حضرة الصدر بوجهه إلي. وقال جميع ما تريده على الله تعالى ثم علي. وقد جعلت حضرة الباشا من قبلك وكيلاً. فقال المشار إليه أن لي بهذه الوكالة فخراً طويلاً. فدعوت لهما. وشكرت فضلهما. وبعد نحو ثلاثة أشهر تم أمر التحويل على الخزنة. وأزال الله تعالى بنسائم خزائن لطفه على القلب حزنه. ولما وقفت على الفرمان. رأيت فيه إفراز المسقفات من أوقاف مرجان. كأنهم قطنوا بزيادة الإيراد. فضنوا به على مفتي بغداد. حيث أوقفوا على حاله. وقيل لهم أنه يرضى بمجرد المنصب ولو ضم إليه من ماله. وكيف لا يرضى به وهو على كل حال خير من البزازة. وأين قلم الفتوى من ذراع الأندازة. فشق علي والله ذلك. وكنت أحب أن يكون مفتي بغداد خيراً من جميع المفتين في سائر الممالك. وجعلت أثني عليه حسب الغيرة. وأفضله في فنه ولا أفضل عليه غيره. وطفقت أورد لهم أمثالاً جلية. وأباهتهم بالفتاوى البزازية. وأقول قد يكون مفتي دكان. أعلم من قاضي خان. فقالوا حظه ينطقك بهذا الكلام. ويلجئك أن تحر ببيانك الأفهام. ولا بدع في مثل ذلك فقد قالوا:
إذا صدق الجد افترى العم للفتى ... مكارم لا تحصى وإن كذب الخال