وفي هاتيك الأثناء. فزت بعطية من حضرة ظل الله تعالى على أهل الغبراء. أيده الله تعالى وأبده. وخلد ملكه ونور خلده. ومقدارها خمسة وعشرون ألف قرش استنبولي. وكذا كان مقدار ما عين من بيت المال كل سنة لي. وبلغني أن العطية حين وجهت كانت أقل من هذا المقدار. فأبى ذلك حضرة شيخ الإسلام قائلاً أيعطى أقل مما صرفه حتى أتى هذه الدار. ولو أنه نفذ في أمري أمر نافد باشا. ما كنت رأيت عطية أصلاً ولا معاشاً. ولقد سعى لأسعى في المنع. فمج كلامه في وجهه كل سمع. وما ذلك إلا ببركة خدمتي للقرآن. ونسبتي إلى بضعة سيد الأكوان. صلى الله تعالى عليه وسلم. وأدام علينا بحرمته ديم النعم.) وبينما (أنا في حظيرة حضرة شيخ الإسلام المسامتة للنجوم. ناولني منشور القضاء في جميع أيالة أرزن الروم. فقلت يا ملاذي. إني لأعد المناصب من ملاي. وأن فتوتي لترى من مر القضاء. أن أنكح بعد اليوم فتاة إفتاء أو قضاء.
وشر ما قنصته راحتي قنص ... شهب البزاة سواء فيه والرحم
وقد نزل المشيب بعذاري. وضاقت منه أقطار أوطاري. وانقض بازي الشيب على غراب شبابي فقنصه. وألقى جواد العقل على ظهره فارس أملي فدق عنقه ووقصه. بل لا يليق بمثلي. ومن حكى شكله شكلي. أن يستعمل طرفاً طماحاً. أو يركب طرفاً جماحاً. أو يلحف بيض طمع جناحاً. أو يشق لطلب دنيا من شقق البيد وشاحاً. ولولا أمور أبرمت أضمارها. وأحكمت في سري أسرارها. فلا أكاد أحدث بها نفسي أو تحدث الأرض أخبارها. ما كنت لأخرج من قرارة داري. وأدخل في مضايق غربة وسعت أكداري. وبعد أن يسر الله تعالى لي خبزاً آدمه بالقناعة. واحتساء قهوة سحت بكؤوس شريعة غراء. فقال سلمه الله تعالى قضي الأمر. ولا يرد المنشور بنظم أو نثر. فأنب عنك نائباً في أرزن الروم. ولا تأمره بأخذ شيء في هاتيك الحدود من الرسوم. وخذ أنت ما عين في بيت المال من الشهرية. ومبلغها في السنة ثلاثون ألفاً من القروش الرومية. ثم قال. سلمه الله تعالى المتعال. هذا ما وفقت له في رفدك. وإعانتك في مارف مجيئك وعودك. وكان علي أن أعلي رتبتك. فأغلي بين الأقران قيمتك. ألا أنه حق القول من حضرة السلطان. أن لا تعطى رتبة مخرج لمن خرج من إسلامبول من أهل البلدان. فإن كنت تعزم على الإقامة بالقسطنطينية. أوجه لك في مجلسي هذا ما تقصر عنه أيدي الأمنية. فقلت يا مولاي من العجب بناء حركة رتبتي على السكون. فقال نعم لا تحرك حتى تسكن. فقلت يا مولاي دون الإقامة. أهوال يوم القيامة. وكيف أترك أهلاً وأوطاناً. أم كيف ألتذ برفعة في غير بلدتي ولو أضحيت سلطاناً. فقال لم يبق في بلدتك أنيس. إلا اليعافير وإلا العيس. وإن زئير آساد المحن. زلزل أطراف ناديها. وصرير صعار الفتن جلجل أكناف واديها. فلو وقع عليها طرف لبيب ذي اعتبار. لحكم بلا خوف ولا تكذيب أنها جوف حمار. فقلت يا مولاي أنا مشغوف بترابها. فضلاً عمن حل برحابها. شج بماها. فضلاً عن لمى دماها. مغرم بطيب نسيمها. فضلاً عن نكهة ريمها. مع أني كم تجرعت في رحابها صابا. وقاسيت من أنياب كلابها عذابا. فقال هذا والعياذ بالله تعالى داء. فقلت نعم وأسأل الله عز وجل الشفاء. ثم أني حيث رفعت مرحمته عني الحرج. ناقشته في أمر منع رتبة المخرج عمن خرج. واعترضت عليه بما وقع في تلك الأثناء. للشامي الجابي الذي كان قاضياً في الزوراء. فإنه فتح له باب المخرج. وقيل له دونك ولا تحرج. فاحتسى منه معقة المأمول. من غير أن يشرطوا عليه الإقامة في إسلامبول. فأطال أطال الله عمره في ذلك جوابه. فحبست لسان الاعتراض عليه في فم المهابة. وقلت في نفسي. وأكاد أخفيه عن حسي:
أهابك أن أجيبك لا لعجز ... ولكن لمخافة أسكتتني
هذا وقد كتب له حضرة الصدر. تذكرة يطلب لي فيها ترفيع القدر. فاعتذر بما اعتذر. وأنا أرضى بما صنع القدر.) وبالجملة (رضيت بقضاء أرزن الروم. وقنعت جبراً بما عين في مقابلته من المبلغ المعلوم. ولم أعتب إلا الزمان المفتون. والدهر الشرس الحرون.
ما خلت أن الدهر يثنيني على ... صراء لا يرضى بها ضب الكدى