) ومنهم الوزير المشير التالية مدافع عزماته على حصون الأعداء وكثرة الدخان. حضرة أحمد فتحي باشا الصهر الأول لحضرة السلطان الغاز محمود خان (وكان يوم دخلت الأستانة. مشير الطوبخانة. ولما واجهته أعلى محلي. وفاتحني بأبحاث علم نقلي وعقلي. فرأيت له اطلاعاً وافراً. وفكراً باهراً. فأحس مني باستغراب. فقال يا مولاي كنت أنا من جملة الطلاب. قد قرأت إلى شرح الشمسية. فأخذ السعد بيدي فجعلني قطباً لمصالح الدولة العلية. فضاق وقتي عن الدرس. ومضى ذلك الشغف كما مضى الأمس. ولم أزل أتردد إليه. لما وجدت من النجابة لديه. وهو يضاعف الاحترام. ويبالغ في مدحي عند الخواص والعوام. وكثيراً ما حكي لي أنه يقول. لم أر مثل فلان يعنيني بين علماء إسلامبول. وكان مدحه أحد أسباب شهرتي. وبلوغي حسب الإمكان ذرى هضاب أمنيتي. وقد رأيته لين الجانب. صلب الانتصار للصاحب. ولم أحس منه بانحلال عقيدة مع أني خضت معه في العقائد مراراً عديدة. بل تحققت منه. خلاف ما يرويه السفط عنه. ولعن الله تعالى امرأ له على الطعن في المسلمين ثبات. وعلى أكفار المؤمنين بمجرد التخمين هجوم ووثبات. ولي كل من ذهب إلى أوربا مستحقاً للإكفار.) نعم (إن من الذاهبين من رجع منها أكفر من حمار. ثم أن حضرة السلطان. يحب حضرة المشير أكثر من سائر الأقران. وكثيراً ما يأكل عنده الطعام. ويستمر لساعات وربما يسمر معه والناس نيام. وهو حفظه الله تعالى مع ذلك لا يظهر فخراً. ولا يبدي على أحد من الخلق كبراً.
زادوه إجلالاً فزاد تواضعاً ... الله أكبر هكذا الرجل السوي
وقد عزل في اليوم الحادي والعشرين. من شوال سنة الألف والمائتين والثاني والستين. ثم عاد إلى ما كان. في السنة التالية أواسط شعبان. وسبحان من بيده مقاليد السماوات والأرض. وهو عز وجل المتصرف كما يشاء في الطول والعرض.
) ومنهم الشجاع القسور حضرة محمد باشا سر عسكر (وهو ذو ذهن نقاد وفكر دقيق. يحب الوقوف على أحوال العباد والبلاد بتحقيق وتدقيق. ومن قوة ما له من العقل والإدراك. تراه يجمع بين الضب والنون والسمك. فيعاشر كلاً من المتعاديين. كما يعاشر كلاً من المتحابين المتصافين. فيظن كل من يحبه. أنه مختص به. ويحس منه على فضله. الفخر بفاضل عقله. وقد اجتمعت به مرات. فسألني عن العراق وأهله عدة سؤالات. فأفصحت له عن الحقيقة الحال أي إفصاح. فجعل يعجب من فرط الأهوال ويصفق راحاً براح. لكن لعمري ما أثمر صفق الراح راحة لأهل العراق. بل أوقع في أيديهم ضحكة تتغنى بعجائبه الركبان في الآفاق. وما ذاك إلا لبعد خطتهم. عن حمى دولتهم. وقصور هممهم. عن شكاية المهم. واستيلاء وضيعهم. على رفيعهم. وشرارهم. على خيارهم. وتصعراً وجههم. لأوجههم. وعظم نفاقهم. على رفاقهم. وتفويق خضراء دمنهم. على سويداء مهجهم. وسوداء أعينهم. إلى أمور أنتن في الشم من ريح الجورب. وأشد على الذوق من سم العقرب. وليس لدائهم من دواء. حتى ينزل المسيح من السماء. وقد عزل هذا المشير الرصين. أواسط شعبان سنة التاسعة والستين. ونصب محله. من كان في ذلك المنصب قبله. أعني) محمد علي باشا (الصدر السابق. يسر الله تعالى الأمر الموافق. وجعل هو لأوردي الخاصة مشيراً. فعد كل ما ناله من المنصب قضاءً عليه وتقديراً. لما في ذلك من الحور. بعد الكور. والاتضاع. بعد الارتفاع. والحق أنه إذا توفر للعبد سهم السعود. ينبغي أن تتساوى عنده قوسا الهبوط والصعود. والغرض نظر السلطان. فمن أصابه اتحدت لديه القوسان.
إذا صح منك الود يا غاية المنى ... فكل الذي فوق التراب تراب
ومن كان من صدق الخدمة بالأفق الأعلى. لا يبالي دنا أم تدلى. بل ذاك أعظم همومه. انتظام مصالح مخدومه. إلا أن مثل هذا في الخدم. أعز من الغراب الأعصم.