للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

) ومنهم جنة البصائر والأبصار. وحبة فؤاد السرائر والأسرار. حضرة جلاء عين الصدر من غين الدهر فؤاد أفندي المستشار (وقد شرت لك فيما مر شيئاً من عسل صفاته. وأشرت إلى ما لا يبلغ عشر العشر من سمى سماته. وحيث إني ممن لا يستغني عن المستشار. وأحاديثه لدي في العراق كأحاديث نجد لا تمل بتكرار. أعود فأقول. غير مبال بملول. هو فتى قد عرج إلى ما عرج. وعرج إلى ما لم يكن سواه عرج. وشأى فرأى ما لا تضبطه قواعد الإبصار حيث شاء. فلما ادعى. دعا فنادت شواهد الآثار. ما كذب الفؤاد ما رأى. ولقد شغفت به مناص المراتب. كما شغفت به خواص المناقب. وعندما صار مستشار الصدر. جبر كسر القلوب أحسن جبر. وذلك لما مصره من كرائم الأخلاق. واعتصره من كرم كرم الأعراق. ولمزيد فضله. وسلامة عقله. عول عليه الصدر في أمره كله. ولكونه ذا ذهن وقاد. أحل إليه الكلام في أحوال البلاد والعباد. ولا بدع في ذلك فالمستشار مؤتمن وأن الكلام في الفؤاد. واتفق أن دعاني إلى الثغر. ليشرح مني بالاستئناس الصدر. في قصر له طاب مغناه. وطال مبناه. فكأنه سخاب. في نحر السحاب. وقد أقرت له القصور. بغاية القصور. واكتست له الشعرى العبور. ثوب الغيور. وقد احتوت عليه دار دار بالسعد نجمها. وفاز بالحسن سهمها. ذات أشجار كأن الحور أعارتها قدودها. وكستها برودها. وحلتها عقودها. خلالها روض يروق. كأنه من الجنة مسروق.

فالأرض تجلى بالنبات الغض ... في حليها المحمر والمبيض

من سوسن أحوى وورد غض ... مثل الخدود نقشت بالعض

وأقحوان كاللجين المحض ... ونرجس زاكي النسيم بض

مثل العيون رتقت للغمض ... ترنو فيغشاها الكرى فتغضني

وياسمين في ذرى الأغصان ... منظم كقطع العقيان

وجلنار شبه خدي دعد ... أو مثل أعراف ديوك الهند

وغير هذا من صنوف الورد ... ليس له سوى البها من حد

وهناك بركة ماء عذب مورده. وصفا حتى كأنما يفقده من يشهده. وربما يخيله الناظر في بعض الأوقات. خداً من لجين تجلى بعذار من انعكاس النبات. فجعلت أتمشى معه هناك بين سماء فاختيه. وأرض طاوسية. فتحير فكري. ودهش سري. حيث أبصرت ما لا يخطر في الجنان. ولا يكاد يتصور وجوده في سوى الجنان. فقال هل مثل هذا في مدينة السلام. فقلت لا ولا في غوطة دمشق الشام. وأنشدته ارتجالاً. وإن لم أكن قوالاً.

لقد وصف الرحمن للناس جنة ... فشوق من كل العباد نفوسا

وما كنت أدري أن في الأرض نحوها ... إلى أن رأينا منزلاً فيك مأنوسا

ففرح به. وجعل ينشده لصحبه. ثم رأيت في بعض رياضه. حذاء أحد حياضه. بصورة امرأة حسناء. كأنها حوراء. قد نحتت من رخام. وأحكمت صناعتها أي إحكام. فلا تكاد تعرف أنها من حجر. إلا بتدقيق النظر. فأنكر ذلك بعض الحاضرين. وقال إنه محرم باتفاق المسلمين. فقال المشار إليه أنها تناسب هذا المكان بناءً على تشبيهه بإحدى الجنان. فقلت على سبيل الارتجال. ناسجاً على ذلك المنوال.

هذه الدار يحاكي ... حسنها دار السلام

غير أن الحور فيها ... قد تجلت من رخام

فابيض وجهه بالسرور وأسفر. وأمر بكتابة ذلك على صدر الصورة بالذهب الأحمر. وقال هذا عندي كفتوى شيخ الإسلام. وسأقوى بها إذا أنكر منكر على هذا الرخام. فقلت في نفسي كيف تقوى. وهي لو فرضت فتوى. خالية عن تقوى. ثم خضنا في بحر التصوير. فاستوعبت الكلام فيه من غير تقصير.) ولما (عزمت على العود إلى الأوطان. التمست منه أن يحرر لي لأجل الطريق فرمان. وكتبت له هذه الأبيات يوم الدعوة الثالث والعشرين من شهر رمضان.

أرى دولة الإسلام شخصاً فرأسه ... ملاذ الورى السلطان والصدر صدره

وأنت بلا ريب فؤاد وحبذا ... فؤاد حوى العرفان لله دره

إذا ما بدا أمر مهم فرأيه ... هو الرأي والفكر المسدد فكره

فيا سيدي قد طال بالعبد غربة ... فمنوا عليه أن يحرر أمره

ليغدو إلى أهليه بالخير داعيا ... ويبقى لكم ما عاش بالمدح ذكره

<<  <   >  >>