للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فوعد بإرساله بعد العيد حسب المراد. فصدق بما وعد وما كذب الفؤاد. وكان سلمه الله تعالى قد ذهب إلى القاهرة. ليجري مع واليها حضرة) عباس باشا (بعض المذاكرة. فعاد من هنالك. بوجه مستبشر ضاحك. فأرسلت إليه بأبيات. لها على كمال الحسن شرافات. وهي:

أهلاً وسهلاً بك من قادم ... قد نفذ الأمر إلينا وعاد

فانسر من ظل الإله صدره ... إذ عاد بالخير إليه الفؤاد

) وبالجملة (كان المشار إليه عاقلاً حليماً. وعارفاً بما يقتضيه الوقت عليما. وقد صار مشير الخارجية في الحادي والعشرين. من شوال السنة الثامنة والستين. وبعد نحو ثمانية أشهر جاء من قبل الدولة المسقوفية سفير. يقولون أنه بين السفراء ذو قدر خطير. وكان سفير شر. وخباثة وغدر. فذهب إلى الباب العالي. غير مارٍ بحضرة هذا البدر المتلألئ. وعادة سفراء الدول الأجنبية. المرور أولاً بمشير الخارجية. فاستشعر من ذلك عدم الاكتراث به. فأبى شريف طبعه جليل منصبه. فكان أهون عليه من قراضة الجلم. وأقل من براية القلم. وأحقر من تراب يصفع براحة القدم. فنبذه وراء ظهره. وفرى بطن أنانية السفير المسفور بشفرة أنفته وكبره. وهكذا فليكن الغيور. والليث الجسور. وبلغني أن كلب المسقوف أظهر الضجر. وجعل يعوي إذ رمي بهذا الحجر. وأن مجيئه لطلب أمور شاقة. لا تكاد تحققها الدولة العلية أو تحق إلحاقه. ولما لم يمكن منها فسخ العهد الذي كان في البين. وجعل رأس ذلك أن رفع ما لدولته في بطن أرجاء غلطة مما يشبه العين. ففهم الناس من ذلك فتح باب الحراب. فاضطربوا اضطراباً كثيراً لما في البلاد من الضعف وقوة الخراب. وأنشد الواقف على الخفايا. السائر في الأرض السابر لبحار البلايا.

أرى تحت الرماد وميض نار ... وأخشى أن يكون لها ضرام

فإن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام

نسأل الله تعالى أن يطفئ نار أولئك الطغام. ويؤجج عز وجل بلطفه نور المسلمين والإسلام. ولا يخرجنا إلى الاستعانة بأعداء الدين يريدون أن يصطادوا بشباك الإعانة بعض بلاد المسلمين. وأنا أخوف ما أخاف من مكر الأعداء من جهة العراق. فإنه عضو ضعيف بالنسبة إلى سائر الآفاق. وإن إبل ذلك النادي. قد حداها والأمر لله تعالى غير حادي. ووراء ذلك ما لا يقال. وحسبنا الله الملك المتعال.

) ومنهم الآخذ بضبع المظلوم مخافة أن تدفعه يد الظالم إلى أشر المهاوي. حضرة مظلوم بك أفندي ناظر مجلس الدعاوى (وهو فتى تقمص الديانة والعفة. وكان من تقوى الله تعالى في أوقي محفة. يحب العلماء والشيوخ. وإن لم يكونوا من أهل الرسوخ. مع أخلاق أرض من النسيم. وفكاهة ألذ من التسنيم. وكم تقلد أموراً. فأنتجت فرحاً وسروراً. واتفق أن بعث رسولاً إلى) محمد علي باشا (ملك القاهرة. فبالغ في عظته ونصيحته. ولم يبال بأبهته وهيبته. وأرشده إلى تجارة غير خاسرة. وكان ممن حظي عند حضرة السلطان محمود خان. وتبوأ من غرف عنايته العلية أعلى مكان. وفي هاتيك الأثناء اتفق أن حظي أيضاً عند ذلك السلطان الأوحدي. رجل يدعى بصائب بك أفندي. فشق ذلك على الحساد. كما هو العادة في غالب العباد. فكانوا يقولون أن ميم مظلوم سرقت من أول صائب. فهذا ظلوم بلاميم أوله وذاك مصائب.) ولعمري (لقد ظلموا. وبالباطل الجلي حكموا. فقد رأيت المشار إليه مظلوماً بين الأقران. حيث لم يبوأ من بينهم قنة كيوان. وأن الظلم عنه بمعزل. وبعيد عن منزله بألف ألف منزل.

كأن ربي لم يخلق لخشيته ... من الرجال سواه قط إنسانا

<<  <   >  >>