ومن ذا الذي في الناس يبصر حالتي ... ولا يلعن القرطاس واللوح والقلم
ومن الكتاب. من كتابته في الردائة العجب العجاب. آثار مواطئ دجاجة مجنونة على القرطاس. أحسن شكلاً من أشكالها بين الناس. ومعاني هذيان المحموم. بالنسبة إلى معاني ما تضمنته تسامت النجوم. ومع هذا قد فاق في السمو عطارد. حيث أن الجد مساعف له ومساعد. وفي مثلهم قول ابن بسام:
تعس الزمان لقد أتى بعجاب ... ومحا رسوم الفضل والآداب
وأتى بكتاب لو انبسطت يدي ... فيهم رددتهم إلى الكتاب
فإذاً لا ينبغي للمرء أن يوسط لفاضل عيشه فضله. بل الحري به أن يتكل على ربه وينتظر ما كتب في الأزل له.
فاعتبر نحن قسمنا بينهم ... تلقه حقاً وبالحق نزل
) ثم (أن هؤلاء الأجلة. البدور منهم والأهلة. بعض من اجتمعت بهم من ذوي المناصب. ولم أستقصهم وأنى يستقصون وهم كالأجرام العلوية لا يستقصيها حساب الحاسب.) وقد اجتمعت (أيضاً بكثير ممن انفصل عن منصبه. وقعد في بيته صفر الكف ينتظر الراحة في العود إلى نصبه.
) منهم العضب الذي يقد حده النصل الأزرق. حضرة صارم باشا الصدر الأعظم الأسبق (وهو ذو هيبة ووقار. وهيئة تدل بالمطابقة على تضمنه دقائق أفكار. صار صدراً أربعين يوماً أو أقل. فأبت غانية الصدارة إلا بعلها الأول: وهو حضرة) رشيد باشا (الذي مر وحلا ذكره. لا زال عالياً على السماكين قدره. وقد صح عندي أنه ذو إقدام وجسارة. غير أن الحظ قعد به عن أن ينوء بعبء الصدارة. وعشق تلك الغانية ببعلها الأول. طلب منه خلعها فخلعها كرهاً ولم يتحمل. واتفق أن هنأه حضرة) حمدي باشا (والي سيواس. من الله تعالى عليه بغاية الاستئناس. فكتب بعد عرض الأثنية مجملها ومفصلها. قوله تعالى) إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها (. فوقعت الألوكة بعد انفصاله بيد حضرة) الرشيد (فاغبر ظاهره عليه لما أن في ذلك خلاف ما يعهده من إخلاصه الشديد. وثنى عنه عطفه. ولم يثن عليه عطفه. واتفق أن ذكر لي ذلك) عالي باشا (بطريق العتب على المشار إليه. فقلت هذا يدل على أن الباشا ولي قد سلمت الولاية عليه. فقال كيف ذاك. وأين السمك من السماك. فقلت أنه أشار له بالآية إلى قرب عزله. بل صرح له بما يشعر بأن الله تعالى مريد فصله. حيث خاطبه بذلك الخطاب. ثم ما كان له سوى أداء الأمانة إلى الرشيد جواب. فكأنه كتب إليه أيها الصارم الجديد. إن الله تعالى يأمرك أن تؤدي أمانة الصدارة إلى الرشيد. فهو أهلها. ومنه فصلها وإليه وصلها. فتسارع إلى الامتثال. وأجاب داعي الأمر بالانفصال. فضحك المشير المشار إليه. وأعجبه ما تلوته من التأويل عليه. ثم أنه قال لي. من أول هذا التأويل هو الولي. وشاع ذلك وبلغ حضرة) الرشيد (. فقال في لقد ذب فلان عن حبيبه بما ليس عليه مزيد. وبالجملة أن هذا الصدر وإن أعظم المعظم فضله. قد نبا في الصدارة العظمى صارمه من قبل أن يستله. ولا تكاد تتم لامرئ صدارة وآصف موجود. وأنى يضيء مع الشمس رابعة النهار نجم نحس أو سعود.
) ومنهم ذو الفكر الذي لا تدركه الجياد السوابق حضرة رضا باشا (رأس رؤساء العساكر الإسلامية ومشيرها السابق. قد كان من الدولة العلية بعين الرضا. وقد غمض عنه طرفه مدة مديدة سوء القضاء فكان بمنزلة العينين. من إنسان العين من حضرتي السلطانين. وصعد له الدهر من أنظارهما الإكسيرية ما لا تسعه بوادق العقول. وصوب في حقه الجد التقدم في كل كلية وجزئية على جميع رجال إسلامبول. وغدت الدولة العلية أشفق من الوالدة عليه. والخلوة السلطانية أشوق من الخاصة إليه. وهو مع ذلك صادق الخدمة. لا تأخذه في مصلحة دولته وملته لومة. ذو أوصاف هي للدعوات الخيرية شباك. ورب ألطاف هي للأثنية المرضية ملاك. مكرم العلماء والشيوخ. وإن لم يكونوا من أهل التحقيق والرسوخ. مجبور طبعاً على جبر القلوب. مجبول وضعاً ورفعاً على كل محبوب. وكم رمى في أيام إقباله بسهام حسد. فكان له من عيون السعادة أحفظ رصد.
وإذا السعادة لاحظتك عيونها ... ثم فالمخاوف كلهن أمان
واصطد بها العنقاء فهي حبالة ... واقتد بها الجوزاء فهي عنان