للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حتى إذا هدأت هاتيك العيون. وانتهت الأيام المقدرة في العلم المكنون. رماه الحاسد فأصماه. ولطمه القدر فأعماه. وأسلمته الأيادي المتساعدة. وسلمته بيد البلاء القابلة والوالدة. فانفصل عما كان. واتصل بأسباب الهموم والأحزان. وقعد في بيته ينتظر تقلب الزمان. ويقلب وجهه في سماء حوادث عالم الإمكان. وقد اجتمعت به غير مرة. قد ضربت عليه قباب النجابة. وربضت لديه آساد للهابة. ذا وجه صبيح. ولسان فصيح. وقلب سليم. وعقل مستقيم. ينزل الناس منازلهم. ويجل على حسب المراتب أفاضلهم. يسر الله تعالى له مأموله. وأعطاه في الدارين مسؤوله.

) ومنهم ذو الرشد والسداد. حضرة خليل باشا الساماد (. وهو من موالي طلحة الطلحات. خسرو باشا الشهير في سائر الجهات. قد اجتمعت به فرأيته قد علق بجناحه عامل الخفض. وكاد يستحيل من تواضعه ماء فيستحيل في الأرض. لا يرى ذا عمامة إلا أقبل عليه. وكاد بعد تقبيل يديه يقبل رجليه. قد وسع الناس بخلقه. دون دنانيره وورقه. وكف بطيب أقواله. أكفهم عن نيل أمواله. وفكههم بفكاهته. بدل فاكهته. ومن عليهم بلطافته. عرض كنافته. وسقاهم طلاقة بشرته. بدل شربته. فهو محبوب عند كثير من الناس. مع زعمهم أنهم من غير حسن المعاملة في أياس. ورأيته ذا شوق إلى وزارة بغداد. ولا شوق صاحب سعاد إلى سعاد. وقد استنكحها ولكن بسوء تعبير. فأبت أن يكون بعلها على سمو قدره الخطير. وأنكحها وليها غيره على رغم أنفها. فلتهنأ ببعل ما رأت نظيره وهيهات أن ترى ذلك بطرفها. ولتتسل به عمن كانت مشغوفة بحبه. وسبحان المصرف للهور والمتصرف كما شاء في الجليل والحقير من الأمور.

) ومنهم كليم حب الصوفية الفخام. حضرة موسى صفوتي باشا (الوالي الأسبق في دمشق الشام. وهو رجل معلوم بحسن السيرة. معلم بآثار صفاء السريرة. وله حسن عقيدة بالسادة النقشبندية. لا سيما الطائفة الخالدية. وقد بنى لهم خانقاه قرب الباب العالي. وأجرى عليها ما أجرى من وابل بره المتوالي. وأول من أرشد منهم هناك. رجل يدعى يوسف أفندي وهو شعراني الأتراك. وبعد أن طوى القدر من عمره أيامه. فرش سجادته في دار البقاء بعد الفناء ولم يقم فيها أحد مقامه. نعم هي اليوم مفتحة لبعض الشيوخ. ممن مقلهم حب الدنيا في مرحاض شهواتها إلى اليافوخ. وقد اجتمعت بهذا المشير قليلاً. فتفرست به مع أني راجل الفكر خيراً جزيلاً. وله أخ يدعى مصطفى أفندي. هو من صفوة الناس عندي. له صدقات مشهورة. وأياد في كل ناد مذكورة. مع لين جانب. وحسن معاملة مع الجائي والذاهب. كان الله تعالى له في أولاه وأخراه. وحفظه سبحانه من كل سوء وحفظ أخاه.

) ومنهم المشير الذي اتخذ عدة المحاسن لداريه عدة. حضرة حسيب باشا الوالي السابق في جدة (. هو مشير جليل. له في المكرمات باع طويل. وكم من مصلحة ولي أمرها. فسر بحسن سيرته سرها. وفرض إليه النظر في الأوقاف. فنظر إليها بعين الإنصاف. ثم وجهت إليه أيالة جدة. فأعلى جده في خدمة البيت المكرم جده. ثم صرخ صارخ العزل في مسامعه. وصرح له بالعود إلى مراتع مرابعه. فعاد إلى إسلامبول. يسحب أذيال عز وقبول. وقد اجتمعت به المرة بعد المرة. فأحست من نجابته بما يمنح العين قرة والقلب مسرة. فأنعم به من حسيب. وحبيب للمكارم نسيب.

<<  <   >  >>