للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

) ومنهم حضرة ذي الطلعة الغراء. علي أشقر باشا الوالي الأسبق في الموصل الخضراء (. وهو من موالي بيت السلطنة. وممن احتسى من ثدي الإسلام قبل البلوغ لبنه. جاء صحبة المرحوم علي رضا باشا. كان له الرضى غطاءً وفراشاً. يوم جاء إلى بغداد. وهو في العسكر أحد القواد. وكان إذ ذاك من البيكات. ثم ذهب وعاد وهو من أهل الرتب العاليات. حيث جعل والياً على شهرزور. مع مكثه في بغداد معيناً لحضرة المرحوم المشار إليه في بعض الأمور. فكان أحد يديه في الحضر. وقائم مقامه إذا خرج للسفر. وأظهر من الصلاح والعدل في الزوراء. ما لم يعهد مثله منذ قديم من الوزراء. وكان ما يسعى إلى صلوة جماعة أو جمعة. إلا وصدقاته للإمام وغيره تسعى معه. وكان يألف من ينتسب إلى المشايخ كيف كان. وقد كان لبعضهم بستان فرأيته بنفسه يخرج الماء من البئر ويسقي البستان. وقرأ على دلائل الخيرات. وقررت له ما فيها على اختلاف الروايات. وأصلح عني ما فسد من جامع مرجان. ولم شعثه وشيد ما وهي فيه من الجدران. وجدد له من البسط الخرسانية أحسن فراش. فكان الناس يتهافتون على الاجتماع فيه تهافت الفراش. ثم خرج من حدود بغداد وله فيها مزيد شغف. يكاد عافانا الله تعالى وإياكم يصل إلى رسوم التلف. فاستوزر في عدة بلدان. وماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان.

وما كل روض ينبت الزهر طيب ... ولا كل كحل للنواظر أثمد

وقد سمعت من أهالي تلك البلدان. ومن طرقها من الأنام. أنه تغير حاله فيها عما كان عليه من الحسن في مدينة السلام. فاستغربوا ما قالوا. وحسبت أنهم في ظلال الضلال قالوا. حتى اجتمعت به في فروق. فإذا الأمر كما سمعت وبين الحالين فروق. ولا بدع في مثله إذا تغير. ومن ذا الذي يأبى لا يتغير. ومن هنا قيل أن ما كان منه ليس إلا ليتسور به وزارة بغداد. فلما يئس منها رجع إلى طبعه الذي ولد عليه وعاد. وأنا لا أظن ذلك. والله تعالى أعلم بما هنالك. نعم التغير ظاهر. ومن غير الله خبير بالسرائر.

) ومنهم من عشقه الكمال فقال رب اشدد به أزري. كامل باشا صهر المرحوم محمد علي باشا المصري (وقد رأيته كاملاً. ورجلاً عاقلاً نال بصهريته من المشار إليه غاية المسؤول. واختار لكمال التوطن بعد مصر في إسلامبول. وهو أحد أعضاء مجلس الأحكام. وله في الأمور كسائر المصريين اهتمام وإقدام. وقد اجتمعت به غير مرة. فرأيته صحيح العقل سليم الفكرة. عارفاً بزمانه. لا يميل إلى الإسراف كسائر أقرانه. له نظر إلى العواقب. ورأي في المشكلات صائب. فلا بدع أن اتخذه ذلك الملك صهراً. وجعل له فوق فلك العزة وكراً.

) ومنهم ذو الطبع الموزون. حضرة سامي باشا (الوالي السابق في طربزون. وهو ممن له نسبة قوية للدولة المصرية. وقد أقام مدة فيها. ووقف على سرها وخافيها. وعرف اللغة العربية. وعلم المحاضرات عليه. وقد اجتمعت مراراً به. فأعجبني حسن علمه ومحاضرته وأدبه. له ولد يدعى عبد اللطيف بك ما أكمله. يصلح أن يكون والداً له. ومتى رأيتهما يتنادمان. تحسب أنهما أخوان شقيقان طاب لهما الزمان فجعلا يتنادمان. ولهذا الولد اطلاع على الأدب ووقوف عجيب على أيام العرب. وهو أحد أنجم مجلس ابجمن. الذين غمسوا أيديهم في كل فن. وقد رأيته يترجم بالتركية. سائر أسفار تاريخ ابن خلدون في الدولة البربرية. وبالجملة إن هذا الولد أعظم سمو أبيه. فبارك الله تعالى لأبيه فيه.

) ومنهم الصادق في خدمة الدولة العثمانية. إسماعيل باشا (القائمقام سابقاً في السليمانية. وهو ممن صحبناه في بغداد زمن المرحوم علي باشا. فزادنا في كؤوس صحبته من مدام طبيعته انتعاشاً. وقد خدم أحسن خدمة في حادثة السليمانية. وجلب للدولة العلية بحسن معاملته الدعوات الخيرية. وقد أنست بهذا الرجل في إسلامبول. ورأيت من حسن معاملته ما هو فوق المأمول. جزاه الله تعالى عني خيراً. ورقاه في الدارين ضيماً وضيراً.

) ومنهم غير ذلك من الفخام ممن يضيق عن حضرهم نطاق الأرقام.) وقد اجتمعت (أيضاً بكثير ممن انتظموا في سلك العلماء الأجلة. واطلعوا في سماء الفضل بدوراً وأقماراً وأهلة.

<<  <   >  >>