للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جنبها ما يصلُح لمُصاحبتها. ولعل أكثرَها، أو معظم ما أثبت منها، وكثيراً مما ذُكر في درج ما تقدّمها من اللُّمَع المختارة، مختارة المعاني مفترعة المذاهب. وليس لك أن تُلزمني تمييز ذلك وإفرادَه والتنبيهَ عليه بأعيانه كما فعله كثيرٌ ممن استهدف للألسن، ولم يحترز من جناية التهجّم؛ فقال: معنى فرد، وبيت بديع، ولم يُسْبق فلان الى كذا، وانفرد فلان بكذا؛ لأني لم أدّع الإحاطة بشعر الأوائل والأواخر؛ بل لم أزعم أني نصَفتُه سماعاً وقراءة، فدع الحِفظ والرواية. ولعل المعنى الذي أسمُه بهذه السّمة، والبيت الذي أضيفه الى هذه الجملة في صدر ديوان لم أتصفّحه؛ أو تصفّحتُه ولم أعثر بذلك السطر منه، أو عساني أن أكون رويتُه ثم نسيتُه، أو حفظته لكني أغفلتُ وجهَ الأخذِ منه، وطريقة الاحتذاء به.

وإنما أجسر في الوقت بعد الوقت فأُقدِم على هذا الحكم انقياداً للظن، واستنامة الى ما يغلبُ على النفس؛ فأما اليقين الثقة، والعلم الإحاطة فمعاذ الله أن أدعيه! ولو ادعيتُه لوجب ألا تقبلَه، مع علمك بكثرة الشعراء واختلاف الحظوظ، وخمول أكثر ما قيل: وضياع جلّ ما نُقِل. وأظنّك قد سمعتَ أو انتهى إليك أن البحتري أسقط خمسمائة شاعر في عصره، فما يؤمنني من وقوع بعض أشعارهم الى غيري؟ وما يدريني ما فيها؟ وهل هذا المستغرب المستحسن منقول عنها، ومقتبَس منها؟ وهؤلاء المحدَثون الذين شاركونا في الدار والبلد، وجاورونا في العصر والمولد. فكيف بمَن بعُد عهده، وقدُم زمانه، وتناسخت الأمم بيننا وبينه! زعم بعض آل الزبير أنه زار عُروة بن الزبير ذات يوم، فسأله عما يُعنى بطلبه من العلوم، فقال: قلت الشعر. فقال: لأي قبائل العرب أنت أروى! فقلت: لبني سُلَيْم، فأنشدني لعدة أكثرها من بني سُليم، ولم أعرف واحداً منهم.

<<  <   >  >>