للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأبيات، مختلفةَ الأطراف، بين عيْنٍ نادر، ومتوسّط متقارب، وضعيف ساقط؛ فكنت كالمتعجِّب لما أراه من اضطرابها، وظهورِ تفاوتها؛ وامتحنتُ الشيخ فوجدتُ شعره الى الضعف ما هو؛ فنحن كذلك إذ أتانا بعض مَنْ كان بقُرْبه من أصحابنا، فسألناه عن العامري فأثبته معرفة، وذكر أنه حضر الحيّ وقت تأهبه للوفادة، فرآه في نادي القوم، وقد جمع فِتْيان الحلّة، وأحداث القبيلة، فقال: إن شيخكم يريد امتداحَ هذا الشريف بمكة، فزوّدوه! فزوّدَه كلّ رجل منهم البيتين والثلاثة، ثم نظمها قصيدة، وإذا سببُ ذلك التباين تفاضلُ القرائح، واختلافُ الأفكار والهواجس.

فإذا كان هذا الشعر عندهم اليوم، وهذه عدّة من يقرض منهم وينظم، واللغة فاسدة، واللسان مدخول، والأمر مُدبِر، وأكثر العرب مستعجم؛ فما ظنّك بهم والعربُ عرب، والدار خالصة لهم، والحضَر بعيد منهم، وأسباب الفساد منقطعة عنهم! وهل يُمكن مع هذه الأحوال إحصاء المقرر المتوسّع، فضلاً عن المُقِلّ المتطرّف! أفتستَجيزُ لي على ما تراه أن أتسرع ولا أتحرّز، وأعجل ولا أتلبّث؟ كلا؛ بل أفصّل لك بين المراتب والمقادم، وأعزل لك المقدّم عن المؤخر، وأميز ما يقرب عندي من الإبداع عما أشهد عليه بالأخذ؛ فإن ألحقت به المأخوذ المُستَرق فلبعض الأغراض المتقدّمة: أو لزيادة فيه مستحسنة، فأسلم من تورط المسترسِل، ولا أقف موقف المتكلّف.

فمن تلك الأبيات قوله:

وكنتُ إذا يممتُ أرضاً بعيدةً ... سرَيْتُ فكنت السّرَّ والليلُ كاتِمُهْ

<<  <   >  >>