ووصف البرق بخطْف الأبصار، وسرعة اللّمح، وأنه كالقَبَس من النار، وكالحريق المتضرّم، وكمصباح الراهب.
ولم أرد هذه بأعيانها دون غيره، ولم أوردها إلا دلائل على أمثالها؛ فإذا اعتبرتَها تصنّفت لك صنفين: إما مشترك عامّ الشّركة، لا ينفرد أحد منه بسَهم لا يُساهَم عليه، ولا يختص بقسم لا يُنازَع فيه؛ فإن حُسن الشمس والقمر، ومضاء السيف، وبلادة الحمار، وجوْد الغيث، وحيرة المخبول، ونحو ذلك مقرر في البداية، وهو مركّب في النّفس تركيبَ الخِلقة. وصنْفٌ سبق المتقدّم إليه ففاز به، ثم تدوول بعده فكثُر واستُعمل؛ فصار كالأول في الجلاء والاستشهاد، والاستفاضة على ألسُن الشعراء، فحمى نفسه عن السَّرق، وأزال عن صاحبه مذمّة الأخذ، كما يُشاهد ذلك في تمثل الطّلل بالكتاب والبُرد، والفتاة بالغزال في جيدها وعينيها، والمَهاة في حُسنها وصفائها. ومتى شئتَ أن ترى ما وصفتُه عِياناً، وتعلمه يقيناً فاعترض أوّل عامي غُفْل تستقبله، وأعجمي جِلف تلقاه، ثم سلْه عن البرق فإنه يؤدي الى معنى قول عنترة:
ألا يا ما لذا البرْقِ اليَماني ... يُضيءُ كأنّه مِصباحُ بانِ
وإن لم يذكر لك البان لجهله بعادة العرب في الاستصباح به، ولأنه لم يعرف منه ما عرفه عنترة، ومعنى امرئ القيس في قوله:
يُضيءُ سناه أو مصابيحُ راهبٍ ... أمالَ السّليطَ بالذُبال المفتّل