ولقد أصاب غليلُها مَنْ لم يُصَب ... وتصيّرَت فقْداً لمن لم يفْقِد
وبين الكلامين في صحّة النظم وعذوبة المنطق ما تراه. ثم قد كرر المعنى في المصراعين، ولم يزد على قول أبي العطاء: فعم مصابه، وبقية البيت فضل. ومن يأخذ قول ساعدة بن جؤية:
للمشرفيّة وقعٌ في قِلالِهم ... نخْتَ القُيون رِطاب الأثْل بالقُدُم
فيقول:
للمشرفيّة وقعٌ في قِلالهم ... وقْع القَدوم بكفّ القيْن في الخشبِ
فيبدل تلك الألفاظ، والبيت نقلاً ونسخاً على هيئته لما كان هذا المعنى يُعدّ مسروقاً؛ لأنه من المبتذَل العامي المشاهَد في كل حال.
ومتى أحكمتَ هذا الباب حقّ الإحكام، وأوليتَه حسنَ التمييز فقد ألقيت عن نفسك ثقلاً، وكفيتها مؤونة، ولم يبقَ عليك إلا أن تحترس من التفريط، كما احترستَ من الإفراط. فلا تكن كمن يرى السّرَق لا يتمّ إلا باجتماع اللفظ والمعنى، ونقْل البيت جملة، والمصراع تامّاً؛ بل لا يعرِفُ السارق إلا من يفعل فِعل عبد الله بن الزبير بأبيات معن بن أوس. حكى أبو عبيدة وغيره أن عبد الله بن الزبير دخل على معاوية فأنشده لنفسه:
إذا أنت لم تُنصِف أخاك وجدتَه ... على طرَفِ الهِجران إن كان يعقِل
ويركبُ حدّ السيفِ من أن تَضيمه ... إذا لم يكن عن شفرَةِ السيفِ مزحَلُ
فقال له معاوية: لقد شعرت بعدي يا أبا بكر! ولم يفارق عبد الله المجلس حتى دخل معنُ بن أوس المزني، فأنشده كلمته التي أولها: