للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ببعضه عنبابه الى التاء كما يعدلون بالعربي في نحو قولهم: بُوان وبُوانات، وإنما هذه الأحرف التي عددْتُموها ألفاظٌ خرجت عن القياس، وشذّت عن العبرة، وإنما يتبع فيها السماع، ويوقَف عند الرّواية، لا يتعدّى الى غيرها، ولا يتجاوز تلك الحروف بأعينها. ولا تكاد تجد باباً من العربية يخلو من نوادر وشواذّ؛ ولو جعلت أصولاً وأُجرِيت على حكم القياس لبطلت الأصول واختلط الكلام، ولجاز أن يقال في جمل أجمل كما قالوا: جبَل وأجْبل، وجاز كلب وأكْلاب كما قالوا: فرْخ وأفراخ. قال المحتج: ليس هذا من الباب الذي ذكرته، وليس بجار مجرى الشاذّ والنادر، بل قياس مستمر في جميع ما لا يوجد له مثال القلّة من المذكّر، وقد جاء أيضاً فيما له مثال القلّة وإن لم يكن مستمراً، وأنشد قول أوس بن حَجَر:

تكنّفَنا الأعداءُ من كل جانبٍ ... لينتزعوا علقاتنا ثم تربعوا

فجمع علقاً على علقات وأنشد لغيره:

يرى عيساً يسودهن ماء ... من النّجَداتِ يحلبها الذميل

يريد جمع النّجَد، وهو العرَق؛ في أبيات كثيرة تشهد لما قاله.

قد قال الفريقان ما حكيناه؛ وقد كان لأبي الطيب في الصحيح مندوحة، وفي المجتَمع عليه متّسع.

وعابوا عليه قوله:

وإني لمِنْ قومٍ كأنّ نفوسَنا ... بها أنَفٌ أن تسكُن اللّحَمَ والعظْما

فقالوا؛ قطع الكلام الأول قبل استيفاء الكلام وإتمام الخبر، وإنما كان يجب أن يقول: كأنّ نفوسهم ليرجعَ الضمير الى القوم، فيتم به الكلام. وهذا من شنيع ما وُجِد في شعره، وقد اعتذر له بأمور سنذكرها على ما فيها بمشيئة الله تعالى.

<<  <   >  >>