للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقد سلك مفسّرو هذا البيت غير طريق، وقالوا فيه غير قول، فلم يزيدوا على تأكيد المحال بالمحال، وإضافة الخطأ الى الخطأ، وما معنى جمد الريق؟ وكيف يكون برد الأكباد في جامده دون ذائبه! وقد أعطاك أن ذوبه ناقع مرّ، وهل بعد الري برد الأكباد! وبقوله:

ألذّ من الماء الزُلال على الظما ... وأطرف من مَرِّ الشمال ببغْداد

فجعل الشمال طرفه ببغداد، وهي أكثرُ الرياح بها هبوباً. وقد رواه بعض الرواة أظرف؛ ولا أعرف معنى الظرف في الريح؛ وقوله:

ورحبَ صدْرٍ لو أنّ الأرض واسعة ... كوسعه لم يضق عن أهله بلدُ

وهذا المعنى فاسد؛ لأنه جعل البلادَ إنما تضيق بأهلها لضيق الأرض، وأنها لو اتسعت اتساعَ صدره لم تضِق البلاد. ونحن نعلم أن البلاد لم تخطط في الأصل على قدر سعةِ الأرض وضيقها، وأن الأرض تتّسع لبلاد كثيرة، ولاتّساع ما فيها من المدن أيضاً، وهي على حالها؛ وإنما تؤَسس وتبتدئ على قدر الحاجة إليها؛ فإذا استمر بها الزمان وكثرت العمارة، وظهر فيها ما يستدعي الناسَ إليها ضاقت، فإن جاورَتْها فُسَح وعِراص وسّعت، وإلا احتمل لها بعض الضيق؛ فلو اتسعت الأرض حتى امتدّت إلى غير نهاية وأمكن ذلك لم تزد البلاد التي تنشأ فيها على مقاديرها.

وقوله:

سبعون شهراً كلها في كلِّه ... لي عائقٌ عن منزلي وبلادي

<<  <   >  >>