للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أراد وصفها بدقّة الخصر، فوصفها بغاية القصر والضئولة؛ لأن الوشاح يؤخذ من العاتق ويوشح إحدى طرفيه الصّدْر والبطن، والآخر الظهر، حتى ينتهيا الى الكشح ويلتقيا على الوِرك. وكيف حالُ من يجول الخلخال من عاتقها وكشحها، وهل تكون هذه من البشَر فضلاً عن أن تُنسَب الى الحُسن! وقوله:

يَدي لمن شاء رهْنٌ لم يذُق جرَعاً ... من راحتيك درَى ما الصّابُ والعسَل

فحذف عمدة الكلام، وأخلّ بالنظم؛ وإنما أراد يدي لمن شاء رهن إن كان لم يذق. فحذف إن كان من الكلام، فأفسد الترتيب، وأحال الكلام عن وجهه.

وقوله:

حلّتْ محلّ البِكْر من مُعطًى وقد ... زُفّت من المعطي زِفافَ الأيِّم

فجعل الأيّم مقابل البِكر في التقسيم، والأيّم قد تكون بِكراً؛ وإنما هي التي لا زوج لها، يقال: آمت المرأة تئيم أيْمة. وكذلك الرجل إذا ماتت امرأته؛ وإنما لأهل اللغة قولان: أحدهما أن المرأة قد تكون أيِّماً إذا لم يكن لها زوج؛ وإن لم تكن نكِحت قطّ. والثاني أنها لا تكون أيِّماً إلا وقد نُكِحت، ثم خلَت بموت أو طلاق؛ بِكراً كانت أو غير بكر، بنَى عليها الزوج أو لم يبْنِ. ويقال: تأيّمت المرأة؛ إذا لم تُنكح بعد موت زوجها.

فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: الأيّم أحق بنفسها من وليّها، والبِكر تُستأذن في نفسها. فقد ذهب العراقيون فيه على ظاهر اللغة؛ فجعلوا الأيّم عاماً في الثّيّب والبكر، وجعلوا اللفظة الثانية مفردة بحكم، وداخلة من الثانية في حكمها، وأبى أصحابُنا ذلك؛ فذهب الشافعي الى أن المراد بالأيّم الثيّب، وليس يُحفظ عنه، ولا يوجد في شيء من كتبه أن الأيّم والثيّب في اللغة عبارتان عن معنى واحد، فيجد العائب طريقاً الى عيبه، ولكنه لُطف في الفكر فتوصل به الى استخراج ما غمض على غيره؛

<<  <   >  >>