وذلك أنه رأى الخبر تضمّن ذكر الأيّم والبكر، ووجد البكر معطوفاً على الأيّم؛ وكان ظاهر الخطاب وحقيقة اللغة يقتضي تغايرَ المعطوف والمعطوف عليه. ومن الظاهر عند أهل اللسان أن الشيء لا يُعطَف على نفسه؛ هذا هو الأصل المطّرد، فإن وُجد في الكلام ما يخرج عنه، وأُصيب ما يخالف هذه القضية فزائل عن الظاهر تابع لدليله؛ كما يوجد عموم يُخَصّ، وأمر يحمل على النّدْب، وخبرٌ يراد به الأمر؛ فلا يُترك له موضوعات الأصول ولا يُعترض به على حقائق اللغة.
وكما لا يُعطف بالشيء على نفسه؛ فكذلك لا يُعطف به على جملة هو بعضُها؛ لأنه يكون معطوفاً به على نفسه وعلى شيء آخر معه.
ولو قال قائل من أهل اللغة، موثوق بسداده: جاءني عمرو وأكرمني أبو زيد؛ لوجب أن يكون أحدُهما غير الآخر في مقتضى الظاهر؛ وكذلك لو قال: وجدت عبد الله عاقلاً وأبا محمد فاضلاً لكان المعقول منهما تغايرهما، وإن أمكن أن يكون المسمى هو المكنى.
فلما تقرّر عنده الأصل، ووجد الأدلة تقوده إليه فصَل بين المعطوف والمعطوف عليه، فجعل الأيّم غير البِكْر؛ وليس غير الأبكار إلا الثُيَّب. وليس يعترض هذا قولُ من يزعم أنه إقرار بالعدول عن الظاهر، ومفارقة الحقيقة، فقد سلم للمخالف ورفعت المنازعة في هذه الدلالة؛ لأنا نقول: إن في الخبر ظاهرين متقابلين؛ أحدهما حقيقة الأيّم وهو انطلاقُها على كل خالية من حُرمة النكاح، والثاني ظاهر العطف ووجوب تميّز المعطوف عليه، فلما تقابل هذان الظاهران، ولم يكن من رفْض أحدهما بدّ اتّبع المتعارف، واستسلم لعادة الخطاب؛ وعادة الاستعمال في اللغات مقدمة على حقائقها، وهي أولى بالظاهر من أصولها.
وأما أنا فأرى ظاهرَ الترتيب من ظاهر الألفاظ المنفردة، وإن كان من أصحابنا من يخالفني فيه.