يَرْوُونَهُ، فمنعت طَائِفَة من السّلف صِحَة ذَلِك؛ لعِلَّة أَنهم كفار- عِنْد من ذهب إِلَى أكفار المتأولين، وفساق عِنْد من لم يحكم بِكفْر متأول.
وَقَالَ من ذهب إِلَى هَذَا الْمَذْهَب: أَن الْكَافِر وَالْفَاسِق بالتأويل بِمَثَابَة الْكَافِر المعاند، وَالْفَاسِق الْعَامِد فَيجب أَلا يقبل خبرهما وَلَا تثبت روايتهما.
وَذَهَبت طَائِفَة من أهل الْعلم إِلَى قبُول أَخْبَار أهل الْأَهْوَاء الَّذين لَا يعرف مِنْهُم استحلال الْكَذِب وَالشَّهَادَة لمن وافقهم بِمَا لَيْسَ عِنْدهم فِيهِ شَهَادَة.
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا القَوْل من الْفُقَهَاء: أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي، فَإِنَّهُ قَالَ: "وَتقبل شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء إِلَّا الخطابية من الرافضة، لأَنهم يرَوْنَ شَهَادَة بالزور لموافقهيم". ويحكى أَن هَذَا مَذْهَب ابْن أبي ليلى وسُفْيَان الثَّوْريّ.
يَقُول الشَّيْخ السُّبْكِيّ فِي طبقاته عِنْد كَلَامه على شَهَادَة المبتدع: "وَقد تزايد الْحَال بالخطابية وهم المجسمة فِي زَمَاننَا هَذَا فصاروا يرَوْنَ الْكَذِب على مخالفيهم فِي العقيدة لَا سِيمَا الْقَائِم عَلَيْهِم بِكُل مَا يسوءه فِي نَفسه وَمَاله.. وَبَلغنِي أَن كَبِيرهمْ استفتي فِي شَافِعِيّ أيشهد عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ فَقَالَ: أَلَسْت تعتقد أَن دَمه حَلَال؟ قَالَ: نعم..قَالَ: فَمَا دون ذَلِك دون دَمه، فَاشْهَدُوا دفع فَسَاده عَن الْمُسلمين فَهَذِهِ عقيدتهم ويرون أَنهم الْمُسلمُونَ أَنهم أهل السّنة.." الخ
قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: "وَقَالَ كثير من الْعلمَاء: تقبل أَخْبَار غير الدعاة من أهل الْأَهْوَاء، فَأَما الدعاة فَلَا يحْتَج بأخبارهم، وَمِمَّنْ ذهب إِلَى ذَلِك أَبُو عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن حَنْبَل".
وَقَالَ جمَاعَة من أهل النَّقْل والمتكلمين: أَخْبَار أهل الْأَهْوَاء كلهَا مَقْبُولَة وَإِن كَانُوا كفَّارًا وفساقا بالتأويل، فَمن ذهب إِلَى منع قبُول أخبارهم احْتج بِمَا قدمنَا ذكره.
وسَاق الْخَطِيب السَّنَد عَن أبي سكينَة بن مشاجع بن قُطْبَة: قَالَ سَمِعت عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ فِي مَسْجِد الْكُوفَة يَقُول: "انْظُرُوا عَمَّن تأخذون هَذَا الْعلم فَإِنَّمَا هُوَ الدّين" وَأورد الرِّوَايَات السَّابِقَة عَن ابْن سِيرِين وَغَيره فِي كَون السَّنَد من الدّين ... وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْخَطِيب أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن عَاصِم.. قَالَ سَمِعت ابْن سِيرِين يَقُول: "كَانُوا لَا يسْأَلُون عَن الْإِسْنَاد، حَتَّى كَانَ بِآخِرهِ، فَكَانُوا يسْأَلُون عَن الْإِسْنَاد، لينظروا من كَانَ صَاحب سنة كتبُوا عَنهُ، وَمن لم يكن صَاحب سنة لم يكتبوا عَنهُ".
وَجَاء عَنهُ مَا رَوَاهُ بِسَنَدِهِ عَن عَليّ بن حَرْب قَالَ: "من قدر أَلا يكْتب الحَدِيث إِلَّا عَن صَاحب سنة، فَإِنَّهُم يكذبُون كل صَاحب هوى يكذب وَلَا يُبَالِي.." وروى أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن ابْن لَهِيعَة يذكر أَنه سمع رجلا من أهل الْبدع رَجَعَ عَن بدعته، فَجعل يَقُول: "انْظُرُوا هَذَا الحَدِيث عَمَّن تأخذونه فَإنَّا كُنَّا إِذا رَأينَا رَأيا جَعَلْنَاهُ حَدِيثا.." وَسَيَأْتِي مزِيد بَيَان فِي هَذَا.
وَأما عَن أَدِلَّة مَا تقدم فقد ذكر الْخَطِيب بعض الْمَنْقُول عَن أَئِمَّة أَصْحَاب الحَدِيث فِي جَوَاز الرِّوَايَة عَن أهل الْأَهْوَاء والبدع.. وَأَشَارَ إِلَى مَا قَالَه الشَّافِعِي فِي جَوَاز قبُول شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء غير صنف من الرافضة خَاصَّة..
وروى بِسَنَدِهِ عَن عَليّ بن الْجَعْد يَقُول سَمِعت أَبَا يُوسُف يَقُول: "أُجِيز شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء - أهل الصدْق مِنْهُم - إِلَّا الخطابية والقدرية الَّذين يَقُولُونَ إِن الله لَا يعلم الشَّيْء